الإشهاد والإقرار.. أسلوب قرآني للرد على مَن يعتقد أن النِّعم التي هو فيها نتاج ذكائه وعبقريته!!

صدى المسيرة/ إعداد/ بشرى المحطوري

يطالعنا الشهيدُ القائدُ -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- في محاضرة ــ ملزمة ــ الدرس الخامس من معرفة الله ــ نعم الله بما يثلج الصدر: ـ من الشرح الرائع للآيات القرآنية، وإسقاطها على الواقع الذي نعيشه، والتطرق إلى مواضيع جديدة من خلال الآيات تختلف عما في المحاضرات السابقة، فتعطي للمحاضرة أهمية كبيرة، وفائدة عظيمة، فلا يحس الإنسان أنه يقرأ نفس الشيء من المعلومات، بل على العكس، كُلّ محاضرة لها مواضيعها الخاصة بها، فإذا بنا ننهل من نبع عذب صافٍ لا مثيل له، كيف لا.. وهو قرين القرآن، فجزاه الله عنا خير الجزاء ما تعاقب الليل وَالنهار.

 

لا تكن نظرتُك لنعم الله كنظرة قارون: ــ

بادئ ذي بدء تحدث الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- عن ردة فعل الإنسان تجاه نعم الله عليه، فالبعض ينسب كُلّ الأموال التي يجنيها من تجارته أَوْ مزارعه أَوْ أي عمل يعمل فيه إلى نفسه، إلى ذكائه وشطارته وحنكته في الأمور، متناسيا أن الله هو المنعم المتفضل على الناس جميعا، منبها لنا بألا نكون كقارون عندما قال له بعض قومه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ}كان جوابه: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}، أي: بشطارتي وذكائي!! مما أدى إلى أن الله سبحانه وتعالى عاقبه بأن خسف به الأرض هو وما يملك من أموال، وهذا جزاء الظالمين المنكرين والجاحدين لنعم الله سبحانه وتعالى..

مشيرا إلى أن الله سبحانه وتعالى رد على من ينظر هذه النظرة ردوداً مفحمة بطريقة وأسلوب جديد، أسلوب (الإشهاد والإقرار)، يجعلنا نشهد ونُقر، بأنه هو المنعم المتفضل علينا، لنكون من يحكم على أنفسنا في الأخير، إما أن نكون من الشاكرين، أَوْ من الكافرين بتلك النعم، كما جاء في سورة الواقعة، حيث عدد الله بعضا من نعمه علينا بهذا الأسلوب كالآتي: ــ

 

أولاً: ــ نعمة الزراعة والحرث في الأرض: ــ

تناول الشهيد القائد شرح قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} بقوله: [هذه الأموال التي تحرثونها، هذه الأموال التي تجنون منها مختلف الثمار، فتحصلون من ورائها على أموال كثيرة، هذه الأرض التي تحرثونها، وهذا الزرع الذي ينبت بعد حرثكم {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} (الواقعة: 64) ما هذا سؤال؟ نقول لك: تذكر النعم العظيمة عليك، تذكر، إذا أنت لم تتذكر فسنذكرك نحن، فيأتي على هذا النحو من الاستفهام {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} كيف سيكون جواب كُلّ واحد منا؟ الله هو الزارع].. هذا من جهة..

من جهة أخرى لفت -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- نظرنا إلى أشياء كثيرة نستخدمها للزراعة ولا تنجح الزراعة إلا بها هي أَيْضاً من نعم الله جل شأنه، فقال: [الزراعة تشمل مختلف الأصناف التي بين أيدي الناس سواء زراعة الزرع، زراعة القات، زراعة البن، زراعة الفواكه، زراعة الحبوب، تسمى كلها زراعة، بعد أن تعترف أنت بأن الله هو الزارع، الله هو الذي خلق هذه الأرض التي تحرثها، هو الذي خلق لك هذه الآلة التي تحرث عليها، أَوْ هذا الحيوان الذي تحرث عليه، هو الذي خلق لك تلك الأيدي التي تقبض بها المحراث، أَوْ تقبض بها عجلة القيادة في الحرَّاثة.والأعين التي تبصر بها.. أليست من الله؟.. هل يستطيع الأعمى أن يحرث؟ لا يستطيع]..

مُضيفاً أَيْضاً بأنه هو سبحانه من خلق التربة، بمختلف أنواعها، وأن الله هو الذي يفلق الحبة في الأرض لكي تُنبت، ودور الإنسان مقتصر على رمي البذور في الأرض فقط، وكل شيء هو من الله..

متسائلا -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- سؤالا مهما ومحوريا حيث قال: [فما هو الموقف الصحيح بالنسبة لي منه تعالى أمام ما أعطاني، ما هو الموقف الصحيح؟ هل أرضى لنفسي أن أكون ممن قال الله عنهم: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}؟].

 

موقفُ الإنسان من هذه النعمة: ــ

مؤكداً -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- بأنه لا يخلو الأمر من إجابتين على سؤاله سبحانه {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}: ــ

ــ الإجابة الأولى: ـ أن يعرض الإنسان عن الله، ويدبر عنه، ويصم آذانه عن الله، وهنا يكون الإنسان ظلوما كفارا، مستحقا لغضب الله عليه..

ــ الإجابة الثانية: أن يقول الإنسان: أنت يا ألله الزارع والمنعم وَالمتفضل وبالتالي كما قال الشهيد القائد: [أيُّ الموقفين هو الأليق بالإنسان من هذين؟ أليس هو الموقف الثاني؟ لأننا إذا وقفنا الموقف الأول، موقف الظلوم الكفار، بعد أن كنا قد شهدنا على أنفسنا وأقرّيّنا في إجابتنا على هذا التساؤل الإلهي، فقلنا: بل أنت يا الله، أنت الزارع، أليست هذه جريمة كبيرة؟ أعترف وأشهد وأقر بأنك أنت الزارع، ثم أتعامل معك معاملة الظلوم الكفار؟. أليست هذه جريمة كبيرة؟ جريمة كبيرة فعلاً].

 

القرآن يبين مدى عجز الإنسان: ــ

وفي ذات السياق استمر -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- في شرح الآية، {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} مبيناً مدى عجز الإنسان أمام قدرة الله سبحانه، وأنه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً: [تتعجبون من سوء حاله، كيف أَصْبَـحت مزرعتي بعد أن كانت خضراء ومنظرها جميلاً، أَصْبَـحت هكذا منظراً موحشاً، أَصْبَـحت حطاماً!.هل كُلّ واحد منا يعترف بأن الله يستطيع فعل هذا؟ إذاً هذا إقرار آخر، إذاً فهو الذي رعى هذه الشجرة حتى استطعت أن تحصل منها على هذا المحصول الكبير، هو الذي رعى هذه الأشجار حتى جنيت أنت ثمارها. أم تظن أنه الغاز والبودرة وهذه الكيماويات هي نفسها التي أعطته الرعاية؟. هي أَيْضاً مما خلقه الله سبحانه وتعالى، وفي نفس الوقت تذكَّر أنه {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً}.

 

ثانياً: ــ نعمةُ المياه، أمطار وأنهار وعيون: ــ

عاد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- مجدداً إلى بداية الموضوع، وهو شرح أسلوب (الإشهاد وَالإقرار) الذي استخدمه القرآن الكريم ليرد به على من يقول بأن الأموال التي يملكها الإنسان إنما حصل عليها بشطارته وذكائه، متناولا بالشرح الآية الآتية: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} فقال: [سيكون الجواب: أنت يا الله الذي تنـزله من المزن، من السحاب {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} مالحاً فلا يصلح للشرب ولا يصلح لسقي الأرض، هل بإمكانك أن تسقي نباتات من البحر؟. لا يصلح. أليس ماء البحر كثير جداً؟ لكن لا يصلح لا للشرب ولا لزراعة الأشجار، ولا لسقي المزارع بل ولا يصلح أحياناً استخدامه مع بعض أدوات التنظيف، أحياناً لا يصلح استخدامه مع بعض أنواع الصابون، لا يقبل. ألسنا مؤمنين بأن الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يجعله أجاجاً: مالحاً شديد الملوحة؟ يستطيع حتى ولو أبقاه كثيراً في متناولنا، لكن يستطيع أن يحوله إلى مالح، أَوْ يغوِّره في أعماق الأرض {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَـح مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}].

 

العودة إلى الله هي الحل الوحيد لمشكلة انعدام المياه: ــ

متسائلا -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- إذا ما انعدم الماء وجفت الآبار من سيعطينا الماء؟، فقال: [من الذي يعطيكم بديلاً، هل أمريكا يمكن أن تعطينا ماء؟. أَوْ اليابان أَوْ الصين يمكن أن يعطونا ماء؟. مصانع تنتج ماء؟ لا.. هل تستطيع الدولة نفسها أن تعطينا ماء؟. هي تصيح على الناس المزارعين بأنه حاولوا أن تقللوا من استخدام المياه العشوائي، مخزون الماء معرض للانتهاء. ليس المخزون، إنما هو نحن، مخزون العودة إلى الله قد انتهى، مخزون العودة إلى الله في أنفسنا هو الذي انتهى].

مؤكداً بأن الناس لو عادوا إلى الله عودة نصوحا، متبعين لهداه، مبتعدين عن ما يغضبه، فإنه لا شك لن يتركنا، حيث قال: [نحن لو عدنا إلى الله لما خشينا؛ لأنه قال: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} فليكن من السماء وليكن من باطن الأرض].

وأضاف قائلاً: [إذاً نحن مسلمون.. أقل من تلك التكاليف التي تصرف على محطات تحلية للماء على البحر نعود إلى الله سبحانه وتعالى هو الذي وضع لنا حلاً {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} أليس هذا وعداً إلهياً؟.

متسائلاً عن السبب الذي يمنع الحكومات والناس من العودة إلى الله، ليصدق الله وعده معنا، حيث قال: [لماذا لا تعمل الحكومات على أن تستقيم على الطريقة وأن تعود بشعوبها إلى الاستقامة على الطريقة، والتي منها أن تستقيم وتقف على الاستقامة في مواجهتها لأعداء الله سبحانه وتعالى؟]

لافتاً -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- بأن صلاة الاستسقاء والدعاء لا يكفي لعودة الأمطار، إنما من الضروري الانطلاق في سبيل الله، ومحاربة أعداء الله، ليستجيب الله الدعاء، فقال: [لا تتمثل استقامة الطريقة في صلاة الاستسقاء، ولا في الدعاء إلى الله، ونحن لا نعمل لدينه شيئاً، لا نعمل في مجال إصلاح عباده ومحاربة المفسدين في أرضه أي عمل].

محذرا للحكومة من تراكم القروض على البلاد بدون جدوى، وأننا مهما اقترضنا ومهما عملنا لن ينعم الله علينا بالأمطار الغزيرة إلا بالعودة إليه سبحانه عودة صادقة، فقال: [وفِّروا على شعوبنا القروض، قروض كثيرة تثقل كاهل أي شعب، تؤدي إلى أزمات اقتصادية خانقة، وفروا علينا القروض وحاولوا أن نعود نحن وأنتم إلى الله سبحانه وتعالى، حتى نؤمن لأنفسنا غذاءنا، ونؤمن لأنفسنا مصدر حياتنا وأساس الحياة، وعمود الحياة وهو الماء].

 

إهتمام إسرائيل بالحصول على الماء: ــ

أشار -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- إلى دأب اليهود الدائم للحصول على المياه، حتى لو تضررت بلدان عربية من ذلك، مياه الأنهار التي تأتي من تركيا وتمر بالبلدان العربية، تحاول إسرائيل أخذها لها، فقال: [إسرائيل تحاول أن تهدد سوريا والعراق بضرب الأنهار التي تأتي من داخل تركيا في اتفاقيات مع تركيا بأن تحول الماء إلى داخل إسرائيل، لاحظوا كيف اليهود داخل إسرائيل يحاولون بأية طريقة على أن يحصلوا على كميات كبيرة تؤمن لهم حاجتهم من الماء، أذكياء، أذكياء، بأية طريقة يحاولون أن يحصلوا على ما يؤمن لهم الماء من أجل أن يستطيعوا أن يقفوا على أقدامهم أكثر مما قد حصل في مواجهتنا].

مُبدياً استغرابه من العرب الذين لا يولون مسألة الحصول على الماء الاهتمام اللازم، كما يفعل اليهود، حيث قال: [والعرب يتعرضون في شعوب كثيرة إلى أزمة مياه، بل هي قد تكون الأزمة الخانقة داخل هذه الأمة؛ لأن معظم الشعوب العربية لا تمتلك أنهاراً، أَوْ لديها أنهار تأتي منابعها تأتي من بلدان هي لا تزال تحمل عداءً سواء للإسلام أَوْ للعرب. بعض البلدان وإن كانت إسلامية مستعدة أن تدخل في اتفاقيات تضر بالبلاد الإسلامية العربية، لعداء للعربي لديهم، في الوقت الذي تعمل إسرائيل على أن تحصل على كميات كبيرة من الماء حكوماتنا هنا لا تحاول أن تفكر جادة في ما هو الذي يؤمن لها الماء، فقط يوجهوننا إلى ترشيد استهلاك الماء، سواء في المنازل أَوْ في المزارع، هذا جيد لكن ماذا تملكون أنتم في سبيل توفير المياه؟.

مؤكداً أن بناء السدود في بعض المناطق لا يفي بالغرض فقال: [تبنى سدود صغيرة هنا وهناك وخزانات صغيرة هنا وهناك، هذه الخزانات وهذه السدود جيدة، لكنها لا تؤمن الحاجة الضرورية للماء إلا للبيوت على أكثر تقدير، بالنسبة للمزارع كثير من المناطق لا يصلح فيها سدود تكون كافية لسقي الأراضي ولفترات طويلة فيما لو بقي الجفاف من سنتين فما فوق].

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com