أميركا والتفاحةُ الفاسدةُ في الـيَـمَـن ” 2ـ 3 “

السفيرُ الأميركي أعدّ “خطّة الأقاليم” والملياردير الصهيوني “سوروس” ساهم بالتمويل

الوحدة الـيَـمَـنية عام 90 كانت بالنسبة للخارج مجرد مصيدة لفيروس الاشْترَاكية في جنوب الـيَـمَـن

الصحفي الأميركي واين مادسن:

 ـ أبرزُ أهداف أميركا في الـيَـمَـن: القواعد، النفط، إسْـرَائيْل

 ـ اسْتقلَال الجنوب يعرقلُ المُخَطّـط الأميركي في المنطقة

 ـ ربط الحراك الانْفصَالي بإيران دعاية إسْـرَائيْلية خالصة

 ـ التواجد الأميركي في الـيَـمَـن والشرق الأوسط بدأ كـ “دُمل” وتحول إلَـى سرطان

عباس السيد

aassayed@gmail.com

الحزب الاشْترَاكي وتفاحة الجنوب

قبل عام ١٩٩٠، كانت التفاحةُ الـيَـمَـنيةُ مشطورةً إلَـى نصفَين. وكان نصفُها الجنوبي فاسداً – بحسب المعايير الأميركية – التي تعتبر الأنظمة الاشْترَاكية الفيروسَ السياسي الأَكْثَر خطراً وتهديداً لمصالحها.

ولذلك، وجد الأميركيون وحلفاؤهم في الوحدة الـيَـمَـنية وسيلةً مناسبةً للتخلص من الفيروس الاشْترَاكي في جنوب الـيَـمَـن، وبأقل التكاليف.

إستعادةُ الوحدة التي كانت أملَ الـيَـمَـنيين لتحقيق طموحاتهم. كانت بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، مجرد مصيدة للحزب الاشْترَاكي الـيَـمَـني.

هذا ما أدركه الحزبُ الاشْترَاكي في السنوات الأولى للوَحدة بعْد أن فقد المئات من كوادره في عمليات اغتيال.

وحين حاول الخروجُ من المصيدة، والمحافظة على ما تبقى من قدراته، لم يجد أيَّ دعم خارجي لاستعادة جمهورية الـيَـمَـن الديمقراطية الشَّـعْـبية، ليفقدَ ذراعَه العسكري في حرب 1994 وتداعياتها.

وعلى الرغم من تخلّي الحزب عن أيديولوجيته بعد انهيار الاتَّـحَـاد السوفيتي، وتحالفه مع القوى الليبرالية الجنوبية لاستعادة الدولة في الجنوب إلا أن دعواته الجادة لإقامة دولة مدنية حديثة، وسعيه الحثيث من أجل ذلك خلال السنوات الأرْبع الأولى من عمر دولة الوحدة. ودوره في خلق حراك سياسي ديمقراطي حقيقي في دولة الوحدة. كُلّ ذلك كان كافياً للأميركيين وحلفائهم ليفرضوا على الحزب مزيداً من العزلة والمراقبة ومنعه من استعادة دولته في الجنوب.

كان الجنوبُ الـيَـمَـني آنذاك “منطقة شغل” يجري فيها العمل على قدم وساق لتنفيذ عدد من المشاريع السياسية والأمنية، وتوطين العديد من التنظيمات الإرْهَـابية والحركات الأصولية التي وجدت في الجنوب “أرض الميعاد”.

بعد ٢٦ عَاماً على استعادة الوَحدة الـيَـمَـنية، لا يزال الجنوب الـيَـمَـني “منطقة عمل” يجري فيها تطوير نفس المشروعات السياسية التدميرية، وانتشرت مستوطنات الجماعات الإرْهَـابية شرقاً وغرباً، من الحوطة في لحج، حتى المكلا وسيئون في حضرموت، بعد أن كانت محصورة في كهوف جبال المراقشة في أبين.

من التوطين إلَـى التهجير

وفي الآونة الأخيرة، بدأ العملُ بمشروع ديمغرافي جديد، من خلال تهجير السكان المنحدرين من أصول شمالية من المحافظات الجنوبية. ينظر البعض إلَـى هذه الخطوة بأنها تمهيدٌ لاسْتقلَال الجنوب، لكنها في الحقيقة تأتي في إطار لعبة الخارج متعددة الأهداف، ومن بينها “تخدير” الجماعات الجنوبية المطالبة بالانْفصَال عن الشمال.

في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، كانت أغلبية سكان مدينة عدن من أصول شمالية ـ بحسب أحصاء سلطات الاحتلَال البريطاني ـ وكان حضورهم قوياً وفاعلاً في المؤسسات النقابية العمالية والتنظيمات السياسية السرية والعلنية التي اضطلعت بالكفاح السياسي والمسلح ضد الاحتلَال البريطاني. وتبوأ أَبْنَـاء الشمال مناصبَ قيادية في الحزب ومؤسسات الدولة بعد الاسْتقلَال.

الآن، يجدُ الحزبُ الاشْترَاكي الـيَـمَـني الذي تربّع على عرش السلطة في الجنوب منذ رحيل الاحتلَال البريطاني عام 1967 وحتى قيام الوحدة الـيَـمَـنية في 1990، يجدُ نفسَه غريباً في الجنوب بعد تآكل قاعدته الجماهيرية بفعل الضربات السياسية والأمنية التي تلقاها في مصيدة الوحدة من جانب، ومن خلال المشروعات السياسية التي نفذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها المحليين والإقليميين خلال أَكْثَر من عقدين في الجنوب. لقد وصل الحال حد المطالبة في مسيرة جماهيرية بحضرموت قبل عامين، باجتثاث الحزب الاشْترَاكي من الجنوب، باعتباره حزباً شمالي الأصل والمنشأ.

الحراك واسْتقلَال الجنوب

في تقرير للصحفي الأميركي، واين مادسن، بعنوان: “هل تشهد جنوب الجزيرة العربية ظهور اشْترَاكية جديدة”؟ نشر في موقع ” WayneMadsenReports ” في نوفمبر2014، وكشف فيه جوانب متعددة من اللعبة الأميركية السعودية الإسْـرَائيْلية في الـيَـمَـن، كتب مادسن: “بالنسبة لواشنطن، اسْتقلَال الجنوب ليس خياراً، وفي حين تنفذ طائرات الدرونز عملياتها ضد الجماعات الانْفصَالية، تقوم المخابرات الأمريكية بحملة تضليل واسعة لتصوير تلك العمليات بأنها ضد القاعدة. ماكينة التضليل التابعة للمخابرات الأميركية، أيضاً، تحاول زوراً، ربط الحراك الانْفصَالي بالقاعدة”.

ويضيف مادسن: “علاوة على ذلك، تتبنى منظمات المجتمع المدني التي يمولها” جورج سوروس * ” البروبجندا الإسْـرَائيْلية باتّهَام الحراك الانْفصَالي بتلقي الدعم من إيران، ويشدد مادسن على أن هذه الاتّهَامات إسْـرَائيْلية خالصة”.

ويحاول الصحفي، واين مادسن، الإجابة على السؤال الذي جعله عنواناً لتقريره “هل سيكون الجنوب العربي واحة للاشْترَاكية من جديد؟”. ويقول: “ومع ذلك، فإن عودة ظهور جمهورية مستقلة، بنظام اشْترَاكي علماني، في الجنوب وعاصمتها عدن، سيقوض ثبات المنظمات الإسْـلَامية الأصولية التي جلبتها تركيا وقطر وإسْـرَائيْل وأميركا إلَـى منطقة الشرق الأوسط، وغيرها من الذرائع”.

وفي ظلّ هذه المشروعات، يصبح اسْتقلَال الجنوب، بالنسبة لأميركا وحلفائها، مشروعاً مؤجّلاً – إن لم يكن ملغياً -.

وحول نوايا الولايات المتحدة في السيطرة على جزيرة سقطرى، قال مادسن إنها تسعى لتحقيق ذلك منذ زمن، لكنها تفضِّلُ أن يكون ذلك من خلال اتّفَـاق من الحكومة المركزية في صنعاء، وليس من خلال دولة مستقلة في الجنوب عاصمتها عدن، أَوْ من خلال “سلطنة القشن” التي تضم المهرة وسقطرى ـ في حالة استعادتها ـ.

خطة فيرستاين

تقسيمُ الـيَـمَـن إلَـى أقاليم، والذي أثار جدلاً واسعاً ولا يزال، هو خطة أميركية لمعالجة التفاحة الفاسدة في الـيَـمَـن ـ بحسب تقرير الصحفي واين مادسن الذي جاء فيه: “المُخَطّـطُ تم وضعه بواسطة السفير الأميركي السابق في صنعاء، جيرالد فيرستاين وحلفائه الموالين لإسْـرَائيْل، والمعادين للشيعة في وزارة الخارجية الأميركية، وبتمويل من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، “WINEP” والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي “JINSA”.

وقال: تقضي خطة فيرستاين بتقسيم الـيَـمَـن إلَـى ستة أقاليم، متجاهلة رغبات أنصار الله والحراك الجنوبي الانْفصَالي. وهي ليست سوى اختراع جماعات صهيونية والمحافظين الجدد بهدف إبقاء الـيَـمَـن تحت الهيمنة الغربية.

هادي يتبنّى الخطة

 “لقد اتخذت قراراً بأن الـيَـمَـن ستكون دولة اتَّـحَـادية من 6 أقاليم، 4 في الشمال وَ2 في الجنوب. سنعلن القرار الليلة في نشرة الأخبار، ومن سيعترض على الأمر فإنه سيعتبر معرقلاً، وسيتعرض لعقوبات من المجتمع الدولي”.

هكذا استهل الرئيس هادي حديثه خلال ترؤسه اجْتمَـاعاً لقيادات المكونات السياسية المشاركة في الحوار في 22 ديسمبر 2013، قبل شهر من اختتام مؤتمر الحوار الوطني الشامل في صنعاء.

لم يكن القرار الذي أعلن عنه هادي للحاضرين سوى جزءا من خطة السفير الأميركي بصنعاء جيرالد فيرستاين أَوْ “خطة فيرستاين” التي كانت جزءاً من المعالجات الأميركية لـ “التفاحة الـيَـمَـنية الفاسدة” قبل أن تتطور تلك المعالجات إلَـى “تدخل جراحي” من الجو والبحر والبحر بالصواريخ الموجهة والقنابل النيترونية والعنقودية في عُـدْوَان همجي سافر، بدأ في 26 مارس ٢٠١٥، ولا يزال مستمراً للشهر الرابع عشر على التوالي.

مصادر حضرت اجْتمَـاع هادي بقادة المكونات السياسية قالت لصحيفة الأولى: إن أمين عام الحزب الاشْترَاكي، نائب رئيس مؤتمر الحوار، الدكتور ياسين سعيد نعمان قاطع الرئيس هادي مبدياً اعتراضه الشديد وواصفاً القرار بأنه “استبداد غير مقبول”.

وأضاف الدكتور ياسين: “اسمح لي يا فخامة الرئيس: هذا استبدادٌ وأسلوب غير مقبول وخارج عن مفهوم الحوار الوطني الذي نجتمع تحت رايته، نحن نرفض مشروع المؤتمر والإصْـلَاح، مشروع قوى 94 الذي طرحوه قبل 4 أَيَّـام، وللأسف أراك اليوم تتبناه وبشكل واضح، وتنجر لخيارهم”.

وفي حين أبدى الدكتور عبدالكريم الإرياني ممثل المؤتمر ورئيس الهيئة العليا للتجمع الـيَـمَـني للإصْـلَاح، محمد اليدومي، موافقتهما، وقالا لـ هادي: إمض يا فخامة الرئيس ونحن معك. هدد ياسين بتقديم استقالته، وقال: “إذا اردتم أن تعتبرونا معرقلين، فاعتبرونا كذلك، سأقدم استقالتي إذا مضيتم في هذا المشروع”.

 قالبٌ جديدٌ لخطة فيرستاين

بعد جدل حاد بين ياسين وكلٍّ من الإرياني واليدومي، تراجع هادي عن إصدار قراره، ووجّه بتشكيل لجنة لدراسة وحسم الموضوع من كُلٍّ من: ياسين سعيد نعمان، ومحمد اليدومي، وعبدالكريم الارياني، وَخالد باراس.

أختُتم مؤتمر الحوار الوطني في 25 يناير 2014، وفي 27 يناير أصدر هادي قراراً بتشكيل لجنة لتحديد الأقاليم برئاسته، وعضوية 22 شخصاً بينهم: الدكتور عبدالكريم الإرياني، ومحمد قحطان، والدكتور أبوبكر باذيب الذي أخذ مكانَ الدكتور ياسين نعمان في الأَيَّـام الأخيرة للحوار.

وبخلاف اللائحة التي نظمت عمل اللجان الأُخْـرَى في مؤتمر الحوار، أشترط قرار تشكيل لجنة تحديد الأقاليم حصول “أقصى توافق”، وهو ما يعني تمرير أية مخرجات دون حصولها على توافق الجميع، كما منح القرارُ الرئيسَ هادي حق الفيتو واعتباره مرجعاً لأي خلاف بين الأعضاء، كما اعتبر مخرجات اللجنة نافذة ونهائية.

وفي أقل من أسبوعين، أعلنت لجنة تحديد الأقاليم مخرجاتها ” خارج إطار الحوار”، وتبنت ـ بعلم أَوْ بدونه ـ “خطة فيرستاين” التي كان الرئيس هادي يعتزم إصدارها في 22 ديسمبر 2013 بقرار جمهوري “دولة اتَّـحَـادية من ستة أقاليم، أرْبعة في الشمال واثنان في الجنوب”.

أعلام الخارج والأقلمة

 كانت لجنة الأقاليم ومخرجاتها بمثابة السم الذي دسّه الخارج في عسل مؤتمر الحوار. وقد كان اهتمامُ هادي وحلفائه في الخارج بمشروع الأقلمة عن بقية مخرجات اللجان الأُخْـرَى لافتاً. كما ظهرت وسائل إعلام تحالف العُـدْوَان غداة إعلان مخرجات لجنة الأقاليم بعنوان واحد: “رسمياً.. الـيَـمَـن دولة اتَّـحَـادية من 6 أقاليم” كلمة “رسمياً” تكررت في عناوين الصحف السعودية: الرياض، وعكاظ، والوطن، الشرق الأوسط. كما وردت أَيْـضاً في عناوين: النهار اللبنانية، الغد والدستور الأردنيتين، وكالة الأناضول التركية، سي إن إن الأميركية، القدس العربي ” القطرية ” الشروق الجزائرية، موقع قناة روسيا اليوم، والمصدر أونلاين، وغيرها من الوسائل الدائرة في فلك التحالف. ورود كلمة “رسمياً” في عناوين الخبر بتلك الوسائل لم يكن صدفة، لكنه محاولة لفرض التقسيم كأمر إلهي لا يحتاج لعرضه على الشَّـعْـب أَوْ مؤسساته الدستورية.

الدُمل يتحول إلَـى سرطان

يلخص الصحفي الأميركي، واين مادسن، Wayne Madsen، اللعبة الأمريكية في الـيَـمَـن بأرْبعة حروف: BOIL، وتعني: الغليان، أَوْ الدُمل ـ ويبدو أن الكاتب قصَدَ المعنى الأخير، كما سيتضح لاحقاً. وقد جمع مادسن الحروفَ الأرْبعة لـ “الدُمل” من الأهداف الأميركية الأرْبعة في الـيَـمَـن. وهي:

1 ـ القواعد ” Basses “

2 ـ النفط ” Oil “

3 ـ إسْـرَائيْل ” Israel “

4 ـ أهداف لوجيستية ” Lojestic”.

ويخلص مادسن إلَـى: وكما هو الحال في مناطق أُخْـرَى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من سوريا إلَـى ليبيا، ومن مالي إلَـى شمال العراق، “BOILs – الدماميل” الأميركية أصبحت سرطاناً.

هامش:

  • جورج سورس، ملياردير أميركي صهيوني يحتلُّ المرتبة الـ24 في قائمة أغنياء العالم، ويعد من أهم الداعمين لمنظمات المجتمع المدني حول العالم، في إطار مشروعه الذي يسميّه “المجتمع المفتوح”.
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com