بالتزامن مع مشروع قانون لمقاضاة السعودية.. الصحافة الأمريكية تصفُ آل سعود “بالحثالة الملكية” ( تقرير )

الإعلانُ عن وثائق تثبت تورط السعودية في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وطرح مشروع قانون السماح بمقاضاة الدول الأجنبية على الكونغرس، يحدث شرخاً جديداً في جسر العلاقات المتصدع بين المملكة والولايات المتحدة. وتهديد السعودية بسحب سندات الاستثمار يزيد من تعقيد وتأزيم الوضع. فيما مراقبون يعتبرون المشهد تربصاً أمريكياً للاستيلاء على ثروة المملكة المدانة بالإرهاب تحت عنوان التعويضات.

صدى المسيرة/ حسين الجنيد  

في تطوُّرٍ لافتٍ لمجريات العلاقات الأمريكية السعودية التي اتسمّت بالفتور والتوتر في الآونة الأخيرة، جاء إعلان الصحافة الأمريكية عن وثائقَ سريةٍ تثبت تورط السعودية في هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، بمثابة الشرخ الأوسع في جسر العلاقة بين البلدين، والذي قد يؤدي إلى تسارع انهياره.

حيث كشفت قناة «سي بي أس» الأمريكية، خلال الأسبوع الماضي، ما اعتبرته وثائق مهمة توضح الدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية في أحداث 11 سبتمبر، التي يمكن تلخيصها في الـ«28 صفحة» التي سعت الإدارة الأمريكية إلى ضمان سريتها حتى وقت قريب.

وقال تقريرُ القناة الأمريكية: إن مسئولين بالمخابرات الأمريكية يدرسون إمكانية الكشف عن أكثر الوثائق سرية في التأريخ الأمريكي، والمتعلقة بأحداث ١١ سبتمبر، وتتضمن هذه الوثائق معلومات تؤكد ضلوع المملكة العربية السعودية في التخطيط لها، وَمعلومات عن شبكة دعم سعودية للمختطفين أثناء تواجدهم في الولايات المتحدة، حيث تعتبر هذه الوثائق جزءًا من تقرير أعدته ونشرته لجنة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري عام 2003، تحت عنوان «بحث ومناقشة مسائل متعلقة بالأمن القومي.. سري للغاية»، ويبلغ عددها 800 صفحة، وقد تم الكشف عن تلك الصفحات، عدا الجزء الأخير والمكون من 28 صفحة، أزالتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش بذريعة أنه سيضعف قُدرتها على جمع معلومات استخباراتية عن المشتبه بتورطهم في عمليات “إرهابية”، وهو النهج الذي سارت عليه إدارة أوباما أيضاً.

ومن جهتها قالت صحيفة “نيويورك تايمز” في تحقيقٍ لها نشرته في الخامس عشر من ابريل الجاري: إن اللجنة التابعة للكونجرس الأمريكي والتي حققت عام 2002 في هجمات سبتمبر قد خلصت إلى استبعاد “تورط كبار المسئولين السعوديين أو جهات حكومية سعودية في تمويل القاعدة”.

ويرى محللون أن هذا التوصيف قد ترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية تأويل ذلك بأنه لا يستبعد تورط مسئولين سعوديين من مستويات دنيا أو أطراف حكومية سعودية.

ومبعثُ الشكوك حول إمكانية وجود دور حكومي سعودي في الهجمات، أن تحقيقَ الكونغرس أشار إلى بعض الأدلة عن وجودِ دورٍ لمسئولين سعوديين كانوا مقيمين في الولايات المتحدة حينذاك في الهجمات.

فيما عنونت صحيفة “نيويورك دايلي نيوز” الأمريكية، صفحتها الأولى بـ “الحثالة الملكية”، في هجومٍ صريحٍ وشرس على المملكة وحكامها، داعيةً في افتتاحيتها مجلس الكونغرس للتصويت على مشروع اقرار قانون السماح لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر وهجمات إرهابية أخرى بمقاضاة الحكومات الأجنبية.

 

مشروع القانون الذي أرعب المملكة

وفي الوقت الذي تناولت فيه الصحافة الأمريكية موضوع تلك الوثائق السرية التي تؤكد التورط السعودي في هجمات سبتمبر الإرهابية، ترافق معها تحركاتٍ أمريكيةٍ في مجلس الكونغرس تمثلت بطرح مشروع قانونٍ يتيح لأسر ضحايا الحادي عشر من سبتمبر بمقاضاة أية دولةٍ تورطت في تلك الهجمات أو أية هجماتٍ إرهابيةٍ أخرى جرت على الأراضي الأمريكية، مما يجعل السعودية في مرمى نيران القضاء الأمريكي الذي سيوجه لها سيلاً من الاتهامات بموجب تلك الوثائق.

وفي هذا السياق هاجم المرشح الرئاسي الأمريكي الديمقراطي “بارني ساندرز”، السعودية والأسرة الحاكمة ودورها المقلق في انتشار الإرهاب عالمياً حسب وصفه، متهما إياها بدعمها الفكر الوهابي المتطرف المتصل بأفكار القاعدة و”داعش”.

وبذلك يكون ساندرز، الطامح لنيل دعم الحزب الديمقراطي، قد انضم إلى حملة الهجوم على السعودية، ففي تصريحٍ صحفي له نقلته شبكة “سي إن إن” الأمريكية، معلقاً على مشروع القانون المطروح على جدول أعمال الكونغرس بحكم عضويته في المجلس، قال ساندرز: “أحتاج إلى المزيد من المعلومات قبل التوصل إلى قرار”.

وتابع المرشح الرئاسي الأمريكي بالقول: “الأمر لا يتعلق فقط بأن معظم منفذي هجمات سبتمبر كانوا من السعودية، بل كذلك بالدعم المقدم لداعش ولتنظيمات متطرفة أخرى”، مضيفاً “أن العائلة المالكة السعودية عائلة كبيرة تضم مئات، إن لم يكن آلاف الأفراد، وهم يمتلكون مئات المليارات من الدولارات ولا نستبعد ضلوع أحدهم في تلك الهجمات وتمويلها؛ كون هذه العائلة تحمل نفس الفكر الديني للقاعدة، إذا لم نقل إنها المؤسِّسة لهذا الفكر الذي جلب لدول العالم الخراب”.

وانضم لقائمة المؤيدين كُلٌّ من “هيلاري كلينتون”، المرشحة الأوفر حظاً عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية والمرشح الجمهوري المحتمل “تيد كروز”، مما يعني أن المشروع قد يتحول إلى قرار بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة خلال العام الحالي.

ومن جهتها، أعربت “تيري سترادا”، مُؤسِّسة هيئة “عائلات وناجيّ أحداث 11 سبتمبر متحدون من أجل العدالة ضد الإرهاب”، عن استنكارها لما وصفته بتقاعس السلطات الأمريكية عن كشف التورط السعودي في أحداث 11 سبتمبر.

إذ قالت سترادا: “أنا مصدومة مما يحدث هنا، أعني، هل للسعوديين فعلاً كُلّ هذا النفوذ والسلطة على حكومتنا؟ هل يتحكمون بالقرارات في واشنطن؟ هل لا نستطيع أن نمرر مشروع قانون في مجلس نوابنا؛ بسبب السعوديين؟ إنه أمر لا يُصدق”.

مذكرةً الرئيس أوباما بوعده لضحايا أحداث 11 سبتمبر وأفراد أسرهم، أنه سيُصدر الوثائق المكونة من 28 صفحة التي تحتوي على تقرير التحقيقات حول تلك الهجمات، وَدور الحكومات الأجنبية في المخطط.

وناشدت سترادا البيت الأبيض قائلة: “أولا أوفوا بوعدكم وأنشروا الـ28 صفحة”. فعائلات ضحايا 11 سبتمبر لها الحق في معرفة ما في ذلك التقرير والشعب الأمريكي له الحق أيضاً. لا نستطيع استيعابَ ما يحدث بالكامل في دولتنا الآن بشأن الإرهاب حتى نعرف بالضبط ما حدث قبل أحداث 11 سبتمبر، وكيف وقعت وكيف تأسست الشبكة المسئولة وكيف تم تمويلها” في إشارةٍ منها إلى التورط السعودي في تلك الأحداث.

هذا وأفادت تسريباتٌ نشرتها صحيفة “نيويورك دايلي نيوز” عن مصادر وصفتها بالمطلعة، اعتزام الكونغرس أخذ شهادة الفرنسي “زكريا موسوي”، الذي يمضي عقوبة السجن المؤبد في سجن في كولورادو، على خلفية مشاركته في التحضير لهجمات 11 سبتمبر، والسيناتور الأمريكي السابق “بوب غراهام”، بعين الاعتبار.

حيث اتهم موسوي في إحدى جلسات الاستماع بمحكمة نيويورك، أمراء سعوديين نافذين بتمويل تنظيم القاعدة والمشاركة في التحضير لتلك الهجمات، مضيفاً أن زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن طلب منه إعداد قاعدة معلومات حول كُلّ من يمولون التنظيم، والتي تضمنت الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، والأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق في واشنطن.

فيما قال السيناتور غراهام أحد الشهود الذين أدلوا بأقوالهم أمام المحكمة: “أنا على ثقةٍ تامةٍ بوجود علاقة بين الحكومة السعودية وأولئك الإرهابيين الذين نفذوا تلك الهجمات”.

وفي ظل هذه التحركات التي تشهدها أروقة مجلس الكونغرس، تؤكد استطلاعات الرأي أن غالبية أعضاء المجلس يؤيدون إقرار مشروع هذا القانون، مما أثار الرعب لدى المملكة العربية السعودية التي تنهال الضربات على رأسها تباعاً وأن أخر ما كان ينقصها هو الملاحقة القضائية التي تهدد أرصدتها في البنوك الأمريكية بالتجميد.

تهديد سعودي أجوف

وفي أولى ردات الفعل السعودية، هددت المملكة على لسان وزير خارجيتها “عادل الجبير”، الإدارة الأمريكية إذا ما قرر الكونغرس المضي في إصدار هذا القانون، ببيع ما قيمته 750 مليارَ دولار من الأصول والاستثمارات السعودية في أمريكا، كوسيلة ضغطٍ على الرئيس أوباما لاستخدام حق الفيتو لتعطيل القرار إذا ما تم إصداره فعلياً.

وفي قراءةٍ تحليليةٍ لهذه المستجدات أوضح الكاتب والمحلل السياسي “عبدالباري عطوان” أن الحكومة السعودية تجدُ نفسَها أمام تحدٍّ كبير قد يؤدي إلى خسارتها لمعظم، إن لم يكن كُلّ استثماراتها في أمريكا، سواء من خلال نفقات قانونية باهظة، أو على شكل تعويضات لذوي الضحايا، وحتى لو أرادت بيع الأصول التي تملكها فوراً تنفيذاً لتهديداتها، فإنَّ عملية البيع ليست سهلة وميسرة بسبب الشروط الأمريكية القاسية التي تفرضها على الدول المستثمرة، وإنْ تمت فبخسارةٍ كبيرةٍ تزيد عن 30% من قيمتها، إن لم يكن أكثر، حسب تقديرات الخبراء (حوالي 250 مليار دولار).

فيما يرى خبراء أمريكيون أن فرص السعودية في بيع هذه الأصول الضخمة محدودة وبالغة الصعوبة لان ذلك سيلحق أضراراً كبيرة بالاقتصاد السعودي والعالمي، بحسب تصريحات الخبير الاقتصادي في معهد بيترسون “ادوين ترومان” لصحيفة “نيويورك تايمز” الذي أكد “أن التهديد السعودي هو تهديد أجوف إلى حدٍ كبير، فبيع أرصدةٍ بمئات المليارات ليسَ صعباً من الناحية الفنية فقط، بل سيحدث زلزالاً في الأسواق العالمية سيتحمل السعوديون مسؤوليته”.

مملكةُ الإرهاب بشهاداتٍ دولية

ويرى بعضُ المراقبين، أن هذه المستجداتِ في العلاقات المتوترة بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لم تكن وليدةَ اللحظة؛ لإدانة المملكة بجرم الإرهاب، بل إضافة جديدة تفيد وتؤكد للعالم أنها الرحم الذي وُلد منه الإرهاب، فقد سبق وأن أشارت العديد من الدراسات والمقالات التي نشرتها الصحافة الغربية تورط السعودية برعايتها للفكر المتشدد الذي انبثقت منه أدبيات “القاعدة” وَ”داعش”.

أحد كبار الصحفيين الاستقصائيين الأميركيين “سيمور هيرش” قال في أحد تحقيقاته الصحفية: “إن الصراع السعودي مع الإرهابيين في الداخل لا يعني عداءً مطلقاً مع الحركات الإرهابية في الخارج”، ويشير هيرش في تحقيقه إلى اجتماعٍ قال إنه حصل بين نائب الرئيس الأميركي السابق “ديك تشيني”، والأمير السعودي “بندر بن سلطان”، قال الأمير السعودي لديك تشيني “ليس المهم أن يضرب الإرهاب ويفجر بل المهم أين يضرب ويفجر ضد من؟”.

وفي العام 2003 أجرت صحيفة “يو إس نيوز آند وورلد ريبورت” دراسة موسعة بعنوان “العلاقة السعودية” راجعت فيها آلاف الصفحات من سجلات المحاكم والتقارير الاستخباراتية الأمريكية والأجنبية، وتوصلت إلى استنتاجات مفادها أن السعودية حليفة الولايات المتحدة، والدولة الأغنى بالنفط أصبحت ومنذ زمن بعيد “مركزاً” لتمويل الإرهاب في العالم.

صحيفة (لوس انجلوس تايمز) الأمريكية، نشرت دراسةً عن دور السعودية في الإرهاب أكدت فيها أن السعودية مصدرٌ للتمويل والمقاتلين في القاعدة حيث أن ١٥ من أصل الـ ١٩ من منفذي هجمات سبتمبر كانوا سعوديين. وتضيف الدراسة أن 45% من مقاتلي تنظيم القاعدة في العراق وغيرها من الدول هم من السعودية.

الصحفي الأمريكي الشهير “توماس فريدمان”، كتب مقالاً نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، عشية زيارة الملك سلمان للولايات المتحدة الأميركية، تحت عنوان “صديقتنا للأبد الراديكالية الإسلامية.. السعودية”.

ولفت فريدمان في مقاله إلى تقريرٍ نشرته صحيفة “واشنطن بوست” بشأن رسالةٍ بعث بها 200 جنرال متقاعد في الجيش الأميركي إلى الكونغرس، يحثون خلالها المشرعين على رفض الاتفاق النووي الإيراني، معتبرين أنه “يهدِّدُ الأمن القومي الأميركي”.

واعتبر فريدمان أنّ الرسالة قد احتوت على نقاشات مشروعة مع وضد الاتفاقية، لكنه لفت إلى أنّ نقاشًا ظهر في الرسالة كان خطيرًا وغير صحيح، ويتعلق بالتهديدات الحقيقية على أميركا النابعة من الشرق الأوسط، في إشارةٍ إلى كلام الجنرال “توماس ماكينري”، النائب السابق لقائد القوات الأميركية في أوروبا عن الاتفاقية، الذي قال عبر الرسالة: “ما لا أحبه في الاتفاقية أننا نساعد من خلالها الإيرانيين، القادة الكبار للراديكالية الإسلامية في الشرق الأوسط وفي كُلّ أنحاء العالم، على امتلاك الأسلحة النووية”.

ورد فريدمان على ماكينري، قائلًا: “آسف يا جنرال، إنّ لقب “تجار الراديكالية الإسلامية” لا يمت للإيرانيين بصلة، لأنه صفة السعودية، حليفتنا المعتبرة”.

وواصل فريدمان خطابه للجنرال ماكينري، قائلًا: “إذا كنت تظن أنّ إيران هي سبب المشاكل في الشرق الأوسط، فمن المؤكد أنك كنت نائمًا إبان وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي شارك فيها 19 انتحاريًا بينهم 15 قادمين من السعودية وليس من إيران”.

واعتبر فريدمان “أن لا شيء يدمر استقرار واعتدال العالم العربي والإسلامي بشكل عام أكثر من مليارات الدولارات التي استثمرتها السعودية منذ سبعينات القرن الماضي؛ من أجل محو التعددية في الإسلام كنسخ الصوفية والشيعة والسنة المعتدلين، وفرض نسخة سلفية وهابية معادية للحداثة والمرأة والغرب نشرتها المؤسسة الدينية السعودية”.

وهذا ما يشرح، بحسب فريدمان، انضمام “الآلاف من السعوديين لتنظيم الدولة الإسلامية”.

كما أكد فريدمان أنّ “هذه الجماعات السنية الجهادية خرجت من رحم الوهابية، وهي التي تقوم السعودية بحقنها في المساجد والمدارس من المغرب إلى باكستان وإندونيسيا”.

كما نوّه إلى أنّ الولايات المتحدة، امتنعت عن وصم السعوديين بهذه التهمة “لأننا أدمنّا على نفطهم. والمدمنون لا يقولون الحقيقة عن من يبيعهم المواد المخدرة”.

وينتهي فريدمان إلى القول إنّ “السعودية تحالفت مع الأميركيين في عدد من القضايا، وهناك معتدلون ممن يمقتون السلطات الدينية، لكن الحقيقة باقية، وهي أن تصدير السعودية للإسلام الوهابي كان من أسوأ ما حدث للتعددية العربية والإسلامية في القرن الماضي”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com