أسرى محرّرون من الجيش واللجان يروون رحلةَ متاعبِهم من مأرب إلَـى خميس مشيط

بعضُ الأطباء السعوديّين كانوا يخيطون جروحَنا بدون تخدير إيغالاً في إيلامنا

– كانوا يعطوننا الأكلَ القليلَ وبين الماء مادة مسهّـلة ويمنعوننا من الحمام

– بشاعة العذاب النفسي والبدني كنا نقابلُه بالتسبيح والتهليل والحمد والشكر والصبر

– ثقتُنا بالله كانت تملأُ قلوبَنا ونرى النصرَ والنجاة في كُلّ لحظة

عبدُالخالق العجري| المسيرة نت:

يحكي الأسيرُ المُـحَـرَّرُ من أبطالِ الجيش واللجان الشعبية حسين السياني، بعضَ تفاصيلِ ما عاناه في زنازين السعوديّة، فيقول: كانوا يضعون السكينَ على رقبتي حتى يوهموني أنهم سيذبحونني، لكن الله نجانا من أيديهم وهو وليُّنا سُـبْـحَـانَه.

كان الخروجُ من زنازين آل سعود أشبهَ بالمعجزة الإلهية، فجميعُ مَن كان بالمعتقلات في قاعة خميس مشيط كان ضحيةً لجلادين وزعوا سياطُهم على الأجساد المباركة لأبطال الجيش واللجان الشعبية في تلك المعتقلات.

يا الله.. ليس هؤلاء من البشر، بل كائناتٌ متوحشة انتُزعت من قلوبهم الإنْسَـانية، والرحمة، وليس لهم في الإسلام باع، وهو الذي يحث على معامَلة الأسير بأخلاق الرجال المؤمنين.

في هذا التقرير سنوردُ بعضَ تفاصيل ما حدث لهؤلاء الأسرى المُـحَـرّرين، مع أن ما خفي كان أعظمَ وأبشعَ، لكن الثبات والصمود والتكاتف صنَعَ معجزةً في قاعدة خميس مشيط بالسعوديّة.

وأفردت إذاعة سام وموقع المسيرة نت لقاءاتٍ مع هؤلاء الأبطال المُـحَـرَّرين وهم: البطل عصام الطوقي، وحسين السياني، وياسر الأسعدي.

وَتطرق الأسرى المُـحَـرَّرون إلَـى الكثير من المواقف التي عاشوها في ظل الأسر وطريقة إلقاء القبض عليهم، وغيرها من الصعوبات في رحلة المتاعب التي اجتازوها في زنازين السعوديّة في قاعدة خميس مشيط، وحتى الإفراج عنهم قبل أيام.

بدايةُ الأسر

يروي الأسرى المُـحَـرّرون أنه تم القبضُ عليهم في محافظة مأرب، فالبعض سلّم نفسه بعفوية والبعضُ كان بعدَ حصارٍ دام أياماً، مشيرين إلَـى أنهم لقوا أشخاصاً ادعوا أنهم يريدون انقاذَهم وتخليصَهم بعد أن ظلوا أياماً بدون ماء، لكن هؤلاء المؤيدين للعُـدْوَان من قبائل مأرب خانوهم وسلّموهم إلَـى الغزاة.

كانت المعاركُ، كما ذكروا، كبيرةً بشكل لا يصدِّقُه إلا مَن عاش ذلك النزال، وكان الله حاضراً مُعيناً وناصراً لهم.

في جبهةِ مأرب ظَلَّ الأسرى أياماً يلقون معامَلةً سيئةً من الإماراتيين الذين كان بيدهم القرار والحل، في صورة يتجلى من خلالها الاحتلالُ بأوضح صوره.

ويضيف الأسرى قائلين: “وبعد ذلك تمّت البيعة وصدرت الأوامرُ بتحويلنا إلَـى سجون آل سعود، لنكونَ ضمن صفقة لإطلاق الأسرى السعوديّين، وفعلاً تم ترحيلُنا إلَـى السعوديّة، ولا نعلم أين هي المنطقة التي اتجهوا بنا إليها، ولم نعلم إلا في الأخير أننا في قاعدة خميس مشيط العسكرية”.

وعن نوعية السجن الذي سُجنوا بداخله، قال الأبطال المُـحَـرّرون إن السجنَ يختلف عن بقية السجون المعروفة، تظهر عليه البصمةُ الأمريكية والإسرائيلية، سواءٌ في شكله أَوْ تحصينه أَوْ نوعية الزنازين والعنابر، وفي تنوع وتكتيك السجن بطريقة توحي أنه معدّ إعداداً أمريكياً.

نفسيةٌ مهزومةٌ للجلّادين

ويسرد البطلُ ياسر الأسعدي معاناته داخلَ معتقلات آل سعود، حيثُ يقولُ إنهم كانوا يحصلون فقط على حبتين زيتون وقطعة جبنة صغيرة وقطعة خبز لقمة أَوْ اثنتين.

ويزيد بقوله: “لم أكن استطيعُ فتح فمي بسبب إصابتي في الفك والرقبة.. وإذا شربت ماء خرج من مخرج الرصاصة من جانب رقبتي.. ومع ذلك سلّم الله وحفظنا اللهُ وأعطانا الله العافية ونحن مع الله فكان اللهُ معنا.

وَلم يكن الأسرى بنفسية منهزمة كما يقول الأسعدي، وبالعكس تماماً ظهرت على الجلادين آثار الضعف والهزيمة.

يقول الأسعدي: “كنا نرى الخوف والذعر في الجنود والضباط السعوديّين في السجن.. نراه في كلامهم ونظراتهم وتصرفاتهم، حتى أنه كان إذا أخرجوا سجيناً منا إلَـى مكان أَوْ للتحقيق كان يمشي معه خمسةُ أَوْ أربعة جنود بأسلحتهم مفتوحة الأمان موجّهة إلَـى السجين، رغم أننا كنا مقيدين لا يمكننا فعل أَي شيء ضدهم”.

ويقول الأسير البطل المُـحَـرّر حسين السياني: “رغم ما أفرغوا علينا من العذاب النفسي والبدني كان كُلُّ ذلك يقابَلُ منا بالتسبيح والتهليل والحمد والشكر والصبر، بل والضحك، وهم بالطبع لا يحملون مبدأ أن اللهَ يتدخّل في نصر المستضعفين وإعانتهم، فقالوا من المؤكد أننا مسحورون، فأتوا بثلاثة مشايخ علم ليقرأوا علينا، وكانوا يقرأون وبمكبرات الصوت وغيرها وبعد ذلك يسألوننا هل تشعرون بدوار أَوْ بشيء في الرأس، فنقولُ لهم: الحمد لله ولا شيء كُلّ شيء على ما يرام، فيزيد غيضُهم، ولكن مِن المؤكد أنه كان في ذلك خير كبير ليصلَ لهم ولعلمائهم الحقُّ وتلزمهم الحُجَّــة، فقلتُ له ذكروني بقوله تعالى عن فرعون وجنوده حين قال اللهُ عنهم “وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا”.

قهرنا العُـدْوَان بالصبر والتآخي

وأضاف السياني بالقول: “قهرنا العُـدْوَان بصبرنا وتآخينا وثباتنا بعون الله، فمثلاً كانوا مع قِلّة الأكل يعطونا بين الأكل أَوْ الماء مادّة مسهلة، ويمنعوننا من الحمام، مما اضطرنا إلَـى عمل حمام سفري أصانكم الله، وكنا نغطي الشخص منا بالبطانية لكي لا تظهره كاميراتُ المراقبة في السجن ويعملها في مشمع ونقوم بعدَها برميه إلَـى المكان المخصّص لرمي النفايات، وبعضنا كان تاعب مع وطأة العذاب مريض فكان بعضُنا يعملها بين ملابسه لقوة المادة المسهلة وكنا نقومُ بغسل ثيابه بأيدينا، قهرناهم بهكذا إخاء بهكذا محبة بهكذا تعاون”.

وهكذا حتى الأسرى بقوة الله وفضله يشكلون جبهةً وشوكةً في نحر الأعداء وهم داخلَ السجون، هذا كله بفضل الله وكرمه وثبات هؤلاء الرجال.

وعن الإيغال في التعذيب واستغلال كُلّ شيء لذلك، يقول الأسرى المُـحَـرّرون” بأنه حتى بعض الأطباء كان يستغل عمله الإنْسَـاني في تعذيبهم فكان يعمد إلَـى الجروح ويضغطها ويخيطها بدون تخدير إيغالاً في الألم، لكن كان كُلّ ذلك يلاقى بالصبر والصمود والحمد والشكر لله”.

من جانبه يقول البطل المُـحَـرّر عصام الطوقي إن الضباط السعوديّين وأعلى الرتب فارغون وليس لديهم أَي هَـمَّ حتى في قضاياهم لا يحملون هماً بالأصل، وأفكر كيف يمكن أن يتولى علينا من هذه العيّنات.. فمثلاً على مستوى العذاب النفسي والبدني لنا كانوا يظهرون فيه بشكل عجيب لا يحمل هماً ولا مسؤولية، فكان يقولُ أحدُ الضباط لنا سأعد من واحد إلَـى اثنين ونص وبعد ذلك اجلسوا ويعدّ واحد، اثنين، ونص، ويذهب العنبر الثاني ونسمعه يقول لهم أنتم سأعد إلَـى واحد ونص، واحد ونص، وهكذا بياخة ووقاحة وفرغة عجيبة”.

ويواصل الأسير حسين السياني حديثه عن ما أسماه موقفَ عضة المسواك بالقول: ”صرفوا لنا مساويك ومعجون ويوم رأوا مسواكاً عند مكاني وكان مقحوص قحصة في أسفله، وعليه وقفوني رافع رجلي ويدي الاثنتين أياماً وجلدوني، قالوا بأني أريد أن أفتح القيود بالمساويك التي صرفوها هُم لنا، قلت له، هذه نقله بالأمس قضية قحصة شادي، واليوم قضية قحصة المسواك”.. قال لهم كذلك ساخراً.

وعن سوء المعاملة قال الأسير المُـحَـرّر ياسر” جُرِحتُ بطلقٍ دخل من جانب الرقبة تحت الفك من الجهة الـيُـمْـنى وخرج من الجهة الثانية المقابلة، ونزفت حتى لم استطع الوقوف.. ومع ذلك لم يعالجوني وبعد ثلاثة أيام جاء دكتورهم ووضع تنتور على الجرح وقالوا هذا الـ.. وكلام فاحش، ما يستاهل العيش اتركوه يموت، وكانوا يضعون السكين على رقبي حتى يوهمونني أنهم سيذبحونني ومع ذلك نجانا الله من أيديهم وهو وليُّنا سُـبْـحَـانَه.

صلاةُ الغائب على أسير

وعن الحالة التي شدّتنا ولفتت اهتمامنا وهي قضية الأسير المُـحَـرّر عصام الطوقي الذي يقول: ”تم نعيُ شهادتي وصلوا علي صلاة الغائب وعلّقوا صوري في البيت، وحملها الأصدقاء وشاركت صوري في معارض الشهداء، ولحوالي خمسة أشهر تقريباً وأنا لم أدرِ بشيء من ذلك، وبعد خروجي وحين التسليم كان من الحضور مَن يعرفني فقال لي إنني قد نعيت شهيداً و… إلخ، وحين علمت أمي بقدومي لم تتحمل أن تنتظرَ في البيت حتى أصل بل خرجت حفظها الله إلَـى الشارع لاستقبالي، في موقف لا أستطيع أن أصفه”.

ووُجِّهَ للأسرى المُـحَـرّرين سؤالٌ عما إن كانوا قابلوا ولو لمرة واحدة من يحمل الإنْسَـانية، فأجاب الأسيرُ المُـحَـرّرُ حسين السياني بالقول” لم ولن أنسى الموقفَ الإنْسَـاني لأحد الأطباء السعوديّين في السجن، فبعدَ تعذيبي لستة أيام متواصلة سألني عن حالي فقلت له: لا استطيع التحرك ولا وضع ظهري ولا جنبي. فقال الدكتور: هات اشوف ظهرك. فرفعت الفنيلة ليرى ظهري فرآه وعندها خلع النظارة ودمعت عيونه، وقال حسبنا الله ونعم الوكيل، وكان يبكي، وحينها عاد لي الأمل بأنه لا زال هناك رجالٌ يخافون الله في بلاد الحجاز، ونجدُ أمثالَ هذا الدكتور الكثير والكثير ممن يحملون هَــمَّ الأمة، ورغم ما عانيناه ورغم الظلم إلا أننا لا نخفي مثل هذا الموقف العظيم”.

كما سُئِلَ المُـحَـرّرون إن كان عُرِضَ عليه أثناءَ الأسر إغراءاتٌ ما أم أن كُلّ ما في الأمر هو التعذيبُ النفسي والبدني، فأجابوا بالقول ”مع العذاب النفسي والبدني فشلوا، فحاولوا بالإغراءات فبعضنا وضعوا أمامه ثلاثةَ ملايين ريال سعوديّ، ووعود ببيت وسيارة وكل ما يريد، وهو يحدد لهم إحداثيات مهمة وقيادات، ويعملُ معهم، ومع ذلك فشلوا، فمَن ضحى بنفسه وماله وبيته وترك كُلَّ ما يحب مستحيلٌ أن يلتفت لإغراءاتهم، فلنا زوجاتٌ وأولاد وأهل وبيوت وتركناهم من أجل الله فمن فعل ذلك هل يُعقل أن يقبل بعد كُلّ تضحياته بثمن بخس مقابل دينه وأرضه وعرضه ومقابل الأشلاء التي خرج من أجلها، فعادوا للعذاب البدني والنفسي وأعاننا اللهُ تعالى فله الحمد والشكر”.

وعن بعض ما كان يسمعونه في سجون الأسر، أفاد الأسرى المُـحَـرّرون ” كنا نسمع دوي انفجارات الصواريخ في المنطقة التي سُجِنا فيها، ونسمع حالاتِ الهلع، ونؤكد ذلك، كما كنا نسمع إقلاع الطائرات الحربية وهبوطها بشتى أنواعها النفاثة والمروحية، ولم نكن نعلمُ أين نحن، ولما عرفنا أننا كُنا في سجن في قاعدة خميس مشيط نؤكد مجدداً أننا كنا نسمَعُ دوي انفجارات صواريخنا الباليستية المسدّدة من الله وهي تدُكُّ قاعدةَ الخميس العسكرية”.

عن إطلاقِهم وخروجِهم وتحرُّرهم، حمد الله الأسرى المُـحَـرّرون وشكروه وقالوا: “لم نتفاجأ بإطلاقنا وعودتنا إلَـى أهلنا ووطننا؛ لأن ثقتنا بالله كانت تملأُ قلوبَنا، وكنا نرى النصرَ والنجاةَ في كُلّ لحظةٍ، سُـبْـحَـانَ الله والحمدُ لله ولا إلهَ إلا اللهُ واللهُ أكبرُ.

+++++

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com