الرئيس المشاط يحلّق إلى حجّة ويوجّه مزيجاً من التحذير والنصح الصارم: استقرار المنطقة مرهون باستقرار اليمن وأي تصعيد قادم سيضر العالم.. السعودي والأمريكي المسؤولان

المسيرة: نوح جلّاس

من جديد، تزيح صنعاء الضبابَ المخيِّمَ على مآلات الوضع الراهن، وتجدد إقامة الحُجّـة بخليط من النصح والتحذير الصارم، ووسط الظروف الحاليّة المليئة بمزيج من التفاؤل المهزوز والتوتر الهادئ؛ جراء البيئة التي خلقتها طبيعة المشاورات الأخيرة في العاصمة صنعاء بحضور الجانب السعوديّ والوفد العماني، وحرص الطرف الوطني على حلحلة الملفات الإنسانية وُصُـولاً لسلام دائم، في مقابل تهرّب سعوديّ وراءه ابتزاز أمريكي، وهنا يطل الرئيس مهدي المشاط ليوضح للجميع بكلمة مفصلية من محافظة حجّـة، التي وصل اليها صباح الأمس، واستبق كُـلَّ رسائله الحساسة بالعبور عبر أجواء اليمن الحر والوصول إلى وِجْهَتِه على متن طائرة مروحية عسكرية، كانت لها رسائل خَاصَّة بها وإن كانت رسائل صامتة إلا أنها أوصلت للجميع ماذا كان القصد؟.

ووسط الحرص المتكرّر من الجانب الوطني على الدفع بعجلة التهدئة ومن بعدها السلام، على ركام المطبات والحفر التي يضعها الجانب الأمريكي باستمرار، كانت صنعاء خلال الفترة القليلة الماضية متمسكة بأعلى درجات ضبط النفس والصبر رغم الاستفزازات المُستمرّة والمتكرّرة التي تمثلت بخروقات فاضحة وجرائم يومية في صعدة، فضلاً عن تحَرّكات مشبوهة في السواحل الغربية والشرقية، ومسرحيات مكشوفة في المحافظات الجنوبية المحتلّة، غير أن خفايا هذا الصبر قد كشفه الرئيس المشاط، وأكّـد من خلاله مدى أولوية التهدئة والسلام؛ مِن أجل إزاحة معاناة شعبنا، ثم مدى الاستعداد الكبير لانتزاع كُـلّ الحقوق وبكل أشكالها باستخدام الخيارات الكثيرة والمتعددة التي كشفت عن ملامح بعضها العديدُ من التصريحات الوطنية، على لسان القيادة الثورية والسياسية ورجال السياسة والسلم ورجال الحرب والردع.

 

حرصٌ وطني مقابل ابتزاز أمريكي.. “ضبابيةٌ” في استمرارها كُـلُّ الخطر:

وأوضح المشير المشاط في كلمته الهامة والفارقة، عوامل الضبابية الراهنة والأسباب التي جعلتنا “نقف في مرحلة ضبابية تسمى بالمصطلحات السياسية اللاسلم واللاحرب”، مُشيراً على أن “العدوّ السعوديّ أدرك أن استقراره مرتبط باستقرار اليمن، هذه الحقيقة التي وصل إليها السعوديّ”.

وعلى الرغم من القناعة السعوديّة التي أوضحها الرئيس المشاط، إلا أن “المشكلة تتمثل في أن هناك قوًى إقليميةً ودوليةً لا تريدُ للمملكة العربية السعوديّة الاستقرارَ، وتحاولُ منعَ السعوديّ من الخروج من مستنقعه الذي وقع فيه، هذا هو التقييم والتشخيص الصحيح للمرحلة التي نمر بها”، مؤكّـداً أن “الأمريكي لا يريد الحل ولا يريد أن تُدفع المرتبات رغم قناعة السعوديّ بضرورة دفعها”، في إشارة إلى التحَرُّكات الأمريكية البريطانية المشبوهة في الآونة الأخيرة جنوبي اليمن المحتلّ وسواحله الشرقية والغربية، والتي ترمي إلى تفجير تصعيد يخدم مصالح واشنطن ولندن في ظل انتهاجهما سياسة التغذية على الجراح، لا سيما أن التغيرات السياسية والتقاربات الأخيرة في المنطقة قد أثارت حفيظةَ الجانب الأمريكي.

ويزيد الرئيس المشاط توضيح المشهد ومدى استمراريته في ظل المعاناة المتصاعدة في صفوف الشعب، وأكّـد أن “الخلاصة هنا أننا أتحنا له فرصة الخروج من الابتزاز الأمريكي؛ وهذا هو سبب التأخير والضبابية في المرحلة الأخيرة”، غير أن القائد الأعلى للقوات المسلحة واصل حديثه بجملة من الرسائل التي تضع حداً لسياسة الهروب والمماطلة، وتنهي آخر الحجج على الجانب السعوديّ، ومن فوقه الأمريكي والبريطاني، حَيثُ استدرك الرئيس المشاط بقوله: “لكن السعوديّ هو المعني بقراره، إذَا قرّر أن يخضع للابتزاز الأمريكي والبريطاني هذا شأنه، نحن في الجمهورية اليمنية لا يوجد لدينا ما نخسره بعد”، في رسالة توحي بأنه لا مجال للوقت المستقطع لترتيب الأوراق، بما يتناغم مع متغيرات المنطقة والسياسات الأمريكية البريطانية على أنقاض المعاناة التي يكابدها شعبنا كُـلّ يوم، وقد زاد التأكيد بقوله: “إننا لن نبقى إلى ما لا نهاية إذَا لم تستطع تجاوز الابتزازَ الأمريكي”.

 

تحذيرٌ جديد.. التصعيدُ القادمُ فاتورتُه معاناةُ العالم أجمع:

وفي تحذيرٍ ممزوج بنصح صارم، قدّم الرئيس المشاط آخرَ الحجج بتأكيده أن “الدخول في أي تصعيد ليس المتضرِّرُ اليمنيين فقط، وهذه الرسالة وجّهناه كَثيراً ويجب أن يستوعبوها، الضرر سيعم الجميع”، وهنا يتأكّـد للجميع أن القائد الأعلى للقوات المسلحة، قد فتح بهذا الحديث، أوسعَ أبواب احتمالات الردع الواسعة والعابرة للحدود والجغرافيا، في حين أنه وضع دولَ العدوان ورعاتها الدوليين، أمام تداعيات الخيارات التي ستتخذها السعوديّة إذَا ما قرّرت الانسياق وراء الورطة التي تضعها لها واشنطن ولندن.

وقد أخلى الرئيس المشاط مسؤولية اليمن المعتدى عليه، بتأكيده أنه “من يستجيب للابتزاز الأمريكي فهو من يتحمل المسؤولية، السعوديّ هو المسؤول الأول؛ فهو من جلب كُـلّ هذا الوضع لنا وله وللمنطقة جميعاً”، وهنا أَيْـضاً رسالة حساسة توجب على الرياض ومن فوقها واشنطن حُسنَ التقديرات وضبط الحسابات وبأسرع وقت ممكن؛ كون الوقت قد طال عن حده، وذلك حسب ما أكّـده الرئيس بقوله: “إن هذه العرقلة الأمريكية قد تؤدي كما قال قائد الثورة حفظه الله إلى نفاد الصبر”.

وفي سياق رسائله المتتابعة التي لا تسعى لتفجير حرب، بل تسعى لتحقيقِ سِلْمٍ بالطريقة التي لا تناسِبُ المراوغة والمماطلة، حسم الرئيس المشاط موقفَ اليمن وأكّـد أن “الأطماع الأمريكية يجب أن تنتهي، كلها مغامرة خطرة، الأطماع الأمريكية يجب أن تنتهي؛ فهي تجلب الضرر على العالم أجمع”، منوِّهًا إلى أن القادم وتداعياته – حال فشل السلام – يتحملها الجانب الأمريكي، مخاطباً قوى العدوان بحجّـة أُخرى تزيد سابقاتها اكتمالاً “كان يجب على الأمريكي أن يتلقى الرسالة يوم قلنا إن لدينا القدرات على ضرب أية نقطة في البحر، كان يجب عليه أن يتلقى الرسالة وأن لا يدخل في مغامرات خطيرة، تضرُّ بكل المجتمع الدولي”.

 

بسبب مغامرات أمريكا.. الاستثمارُ في المنطقة غير آمن:

وحرصاً على تقريبِ الصورة أكثرَ لدول العدوان ورعاتها، وتحجيم الضرر، لم يسدل المشاط بابَ النصح عند رسائله السابقة المذكورة، بل زاد محاكاة الجانبَين السعوديّ والإماراتي بمآلات القادم؛ حال كانت الرغبة الأمريكية البريطانية هي الغالبة لقناعات وتوجّـهات دول العدوان، حَيثُ قال: “وجّهنا التحذيرات لكثير من الشركات، وجّهنا أَيْـضاً تحذيراتٍ لكل شركاء الضرر في هذا العالم من المسلك الأمريكي، من الدفع الأمريكي للتباطؤ والتثاقل والامتناع والتهرب من الوصول إلى حلول سريعة للملف الإنساني المتمثل: بدفع الرواتب ورفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة بشكل كامل”، مردفاً بالقول: “كثير من الشركات العالمية التي تريد الاستثمار في المنطقة تستفسرنا كَثيراً عن الوضع، ونحن بكل وضوح ننصحهم بأن الوضع لم يحن للاستثمار في المنطقة ما لم يُحل الملف اليمني”، وهنا أسدل الرئيس المشاط الستار على جملة كبيرة من النصح والوضوح والتحذير الصادق والصارم في ذات الوقت؛ ليترك دول العدوان ورعاتها تختار مصيرها على أن يكون ذلك بأسرع وقت، كما أن هذه الصراحة والصرامة هي أَيْـضاً فرصة جديدة أمام دول العدوان ومشغليها، وقد يبدو تضييعها هو سبب الأوجاع التي سيتشاركها الجميع، وعندها لن يبقى اليمن – كما أكّـد الرئيس – يعاني بمفرده.

 

الاستفراد بالمناطق المحتلّة وَهْمٌ.. لا قبولَ بغير يمن وسيادة كاملَين:

وعلى صعيد الأحداث والمستجدات الأخيرة في المحافظات المحتلّة، ومحاولات المرتزِقة ورعاتهم خلطَ الأوراق عبر سيناريوهات تشطير وتقاسم، جدّد الرئيس المشاط إغلاقَ الباب أمام رعاة الانفصال والاستفراد بكل جزء في اليمن على حدة، وفق المخطّطات الأمريكية البريطانية، حَيثُ أكّـد مخاطباً كُـلّ الأحرار “أقول لكم وأقول من خلالكم لكل أبناء شعبنا: إن المنفّذ للحركات الأخيرة والتي شاهدناها في الحبيبة عدن هو لا يؤدي إلا دوراً وظيفياً ليس إلا؛ لذلك فالوحدة اليمنية باقية ولا قلقَ عليها بإذن الله”، مُشيراً إلى أن تلك السيناريوهات هي أَيْـضاً جزءٌ من الابتزاز الأمريكي الذي يعمل على خلطَ أوراق دول العدوان؛ لمنعها من الخروج من المستنقع الذي وقعت فيه.

وجدد القائدُ الأعلى للقوات المسلحة عهدَه للشعب وتضحياته بقوله: “نحن سنتوجّـه بإذن الله لبناء يمن واحد وموحَّد بكل أبنائه ولكل أبنائه وبسيادة كاملة غير منتقصة، يمن مستقل ومستقر بإذن الله سبحانه وتعالى”، فيما عرّج الرئيسُ على المستجدات في فلسطين وارتباطاتها في اليمن، داعياً إلى مزيدٍ من اليقظة والبذل والعطاء؛ كون وعد الحرية قد غدا أقربَ من أي وقت مضى، وما كانت الرسائل التي أوردها المشاط إلا تعبيرٌ عن ملامح ومؤشرات لأحداث قادمة سريعة وخاطفة، وفي ذات الوقت واسعة الجغرافيا، وعندها ينالُ كُـلُّ ذي حَقٍّ حقَّه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com