اندفاعٌ أمريكي متزايد نحو إفشال جهود السلام: السعوديّة أمام اختبار إثبات النوايا

توازياً مع جولة جديدة للمبعوث تيم ليندركينغ إلى المنطقة

“سوليفان” يتوجّـه إلى الرياض بعد أَيَّـام و “بلينكن” يتبعه في يونيو وسط تأكيدات على رفض مطالب الشعب اليمني

 

المسيرة | تقرير خاص

توازياً مع إعلان الخارجية الأمريكية عن جولة جديدة لمبعوث البيت الأبيض إلى اليمن، تيم ليندركينغ، إلى المنطقة، كشفت وكالاتُ أنباء دولية أن مسؤولين أمريكيين آخرين سيصلون إلى السعوديّة خلال الأيّام القادمة؛ الأمر الذي يرى مراقبون أنه قد يؤثر سلبيًّا على جهود السلام التي يرعاها الوسطاء العُمانيون، خُصُوصاً في ظل عدم وجود تغيير إيجابي حقيقي في الموقف السعوديّ؛ وهو ما يعكسُ استجابةً سعوديّةً للرغبة الأمريكية الواضحة في الاستمرار بالمماطلة والالتفاف على مطالب الشعب اليمني.

وقالت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية للأنباء، الخميس: إن مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي، جيك سوليفان، سيزور السعوديّة نهاية هذا الأسبوع، وبالرغم من عدم الإفصاح عن تفاصيل الزيارة، فقد ألمحت صحيفة الشرق الأوسط السعوديّة إلى أن مِلَفَّ اليمن قد يكون حاضرًا، وهو ما يرجّحه مراقبون أَيْـضاً فهذه لن تكون المرة الأولى التي يتناول فيها سوليفان هذا الملف مع قيادة النظام السعوديّ.

وأوضحت الوكالة أن وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، يعتزم أَيْـضاً السفر إلى المملكة في يونيو القادم، في زيارة قال الإعلام السعوديّ إنها تأتي ضمنَ مساعي “توثيقِ العلاقات مع الرياض”.

هذه الزياراتُ من المرجح أن تحملَ تأثيراتٍ سلبيةً على جهود السلام الجارية التي ترعاها الوساطة العُمانية بين صنعاء والرياض، والتي كانت قد تكللت بإجراءِ جولة تفاوض مباشرة في العاصمة صنعاء، خُصُوصاً في هذه المرحلة التي من المنتظر فيها أن تتخذَ السعوديّة قراراً بخصوص مستقبل عملية السلام.

وتأتي هذه التحَرّكاتُ توازيًا مع نشاطات ومواقفَ معلَنةٍ ترجمت بوضوح اندفاعَ الولايات المتحدة الأمريكية نحو عرقلة جهود السلام؛ وهو ما يؤكّـد أن مِلَفَّ اليمن سيكون بلا شك على رأس جدول أعمال المسؤولين الأمريكيين أثناء زياراتهم للمملكة.

من تلك النشاطات والمواقف التي تجعل زيارات المسؤولين الأمريكيين إلى السعوديّ ذات أثر سلبي على جهود السلام، إعلانُ الخارجية الأمريكية عن جولة جديدة لمبعوث البيت الأبيض إلى اليمن تيم ليندركينغ، والذي تؤكّـد صنعاء أن جولاته في المنطقة خلال الفترات الماضية حملت هدفًا رئيسيًّا واضحًا، هو إعاقة وإفشال أية تفاهمات يتم التوصل إإليها خلال المفاوضات التي ترعاها الوساطة العمانية بين صنعاء والرياض.

والحقيقة أن توقيت الجولة الجديدة لليندركينغ إلى المنطقة، يشير بوضوح إلى أن هذا الهدف لم يتغير؛ لأَنَّ هذه الجولة تأتي مباشرة بعد جولة المفاوضات التي تم عقدها في صنعاء مؤخّراً، والتي كان وصفَها بالإيجابية والجادة، يعود -بحسب مراقبين- إلى خلوِّها من التدخلات والتعقيدات الأمريكية والأممية؛ الأمر الذي جعل الأنظار تتجه -بعد انتهاء الجولة- نحو رد الفعل الذي ستتخذه الولايات المتحدة تجاه ذلك، وَأَيْـضاً نحو مدى تأثر السعوديّة برد الفعل الأمريكي.

ولم يطل الانتظارُ كَثيراً لمعرفة هذا الرد؛ إذ عبّر المبعوث الأمريكي ليندركينغ بوضوح قبل أَيَّـام عن طبيعة مهمته في جولته الحالية، عندما أدلى لصحيفة الشرق الأوسط السعوديّة بتصريحات أكّـدت وبشكل جلي أن الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ غيرُ موافقة على طبيعة جهود السلام الجارية؛ فواشنطن -بحسب ليندركينغ- ترى أنه “لا يمكن” معالجة ملفات رئيسية مثل الرواتب والإيرادات إلا إذَا وافقت صنعاء على التفاوض مع حكومة المرتزِقة بدلاً عن السعوديّة، وترى أن الأزمة الإنسانية لن تنتهيَ إذَا لم توافق صنعاء على ذلك.

هذا النوعُ من التصريحات –ووفقًا للكثير من تجارب سابقة- لا يعبّر فقط عن “رأي” الولايات المتحدة، بل يترجم طبيعة توجّـهها العملي؛ وهو ما يعني أن المسؤولين الأمريكيين سيدفعون خلال زياراتهم المتتالية إلى السعوديّة نحو رفض المطالب المشروعة التي تتبناها صنعاء والمتمثلة بمعالجة المِلف الإنساني وصرف الرواتب، وُصُـولاً إلى إنهاء العدوان والحصار والاحتلال بشكل كامل، ودفع التعويضات وجبر الأضرار.

لن تكون هذه المرة الأولى التي تدخُلُ فيها الولايات المتحدة الأمريكية على خط جهود السلام التي ترعاها الوساطة العمانية؛ لإفشال التقدم الذي قد تم إحرازه مهما كان محدوداً؛ فبعد انتهاء فترة الهُدنة السابقة كشف الرئيس المشاط عن تدخل مماثل قام به المبعوث الأمريكي لإحباط تفاهمات “جيدة” كان قد تم الوصول إليها.

بحسب تقرير جديد لمجموعة الأزمات الدولية، فَــإنَّ “المسؤولين الغربيين” (وعلى رأسهم الأمريكيون بالتأكيد)، يحاولون التحكم بمسار التفاوض الجاري بين صنعاء والرياض، ويمارسون ضغوطاً لإشراك حكومة المرتزِقة كطرفٍ مقابل لصنعاء على الطاولة بدلاً عن الرياض التي يؤكّـد التقرير أَيْـضاً أنها تريدُ الظهور كوسيط لا كطرف في النزاع.

وقد بات واضحًا أن الدفعَ بالمرتزِقة إلى واجهة المشهد التفاوضي يمثِّلُ الخطةَ الأَسَاسية للولايات المتحد الأمريكية؛ مِن أجل سدِّ أفق السلام الفعلي؛ إذ يصر المسؤولون الأمريكيون هذه الفترة بشكل ملفت على الحديث عن “ضرورة إجراء مفاوضات يمنية – يمنية” في كُـلِّ تصريحاتهم، وآخرُها تصريحٌ لوزير الخارجية بلينكن أثناء اتصالٍ له مع نظيره السعوديّ.

خطرُ هذا التوجّـه الأمريكي على جهود السلام المبذولة يتضحُ أكثرَ من خلال رصد مدى الاستجابة السعوديّة لرغبات الولايات المتحدة الأمريكية؛ فبرغم أن جولة مفاوضات صنعاء كانت قد مثلت تطورًا مهمًّا في مسار السلام، لا يزال الموقف السعوديّ غيرَ حاسم، بحسب تأكيد مسؤولين سياسيين وعسكريين في صنعاء أوضحوا مؤخّراً أن التفاهمات “لا تزالُ نظرية”، وأن كُـلّ ما فعلته الرياض هو إعطاء “وعود” غير مدعومة بتحَرّك عملي.

وبالرغم من أن صنعاء لم تغلقْ بعدُ بوابةَ الطريق المؤدية إلى تنفيذ هذه التفاهمات و”الوعود” إلا أن السعوديّة لا تبدي أي اندفاع نحو هذا الطريق، بل إن وسائل إعلامها تترجم اندفاعًا نحو المسار الأمريكي، من خلال الإصرار على تقديم الرياض كـ”وسيط”؛ وهو الأمر الذي كان قد هدّد بإفساد أجواء مفاوضات صنعاء في رمضانَ الفائت، عندما زعم السفير السعوديّ أن زيارةَ وفد بلاده إلى العاصمة اليمنية كانت ضمن “مبادرة سعوديّة” لجمع الأطراف اليمنية!

وبالتالي، إذَا كانت هناك رغبةٌ حقيقية لدى السعوديّة في مواصلة السير على طريق السلام الفعلي برعاية الوساطة العمانية، فَــإنَّ هذه الرغبةَ ليست واضحة بما يكفي، بل إنها محاطةٌ بمؤشرات سلبية كثيرة كان بوسعها أن تعقّد الأمورَ أكثرَ لولا أن صنعاء لا زالت تحافظُ على أجواء الإيجابية لإنجاح الجهود المبذولة.

مع ذلك، فَــإنَّ صنعاءَ لا تتجاهل حجمَ الاندفاع الأمريكي نحو عرقلة جهود السلام، ولا تغُضُّ الطرف عن الموقف السعوديّ غير الحاسم، وقد ترجمت ذلك بوضوح التحذيراتُ الملفتةُ التي نقلها الرئيس المشاط عبر الممثل الأممي هانز غروندبرغ قبل أَيَّـام إلى الدول الغربية الراعية للعدوان وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا، إلى جانب تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين التي تحدثت عن ضرورة اتِّخاذ قرار حاسم من جانب دول العدوان.

هذه التحذيراتُ والتأكيداتُ تقاطعت عند رسالةٍ رئيسية واحدة، مفادُها أن خطرَ التوجّـه الأمريكي لعرقلة جهود السلام، واستجابة السعوديّة لهذا التوجّـه، ستكون تداعياتُه صادمةً على واشنطن والرياض، وليس على صنعاء، وهو يوحي بأن المسألة لن تذهب نحو المزيد من المماطلات وكسب الوقت، كما يراهن الأمريكيون والسعوديّون، بل قد تُنهِي بابَ التهدئة تماماً؛ وهو الأمر الذي لن يحملَ أيَّ مكسب لهم، كما تؤكّـد كُـلّ الجولات الماضية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com