مؤتمرُ التشاور “الجنوبي”!..بقلم/ عبدالرحمن مراد

 

شهدت عدن في 4 مايو الحالي فعاليات مؤتمر التشاور الجنوبي، وفي بال المنظمين للمؤتمر أن يعمل على توحيد الجهود لرسم خارطة طريق، ويسعى الانتقالي من خلاله أن يحصل على تفويض كُـلّ المكونات الفاعلة في الجنوب؛ ليكون ناطقاً ومعبراً عن شعب الجنوب حتى يستعيدوا دولة الجنوب كما يحلمون، وربما كانت الفكرة أن تتوحد الإرادات ويتم تجاوز التباينات في الصف الجنوبي أملاً في الخروج برؤية توحد الجميع.

القضية الجنوبية -من وجهة نظري- قضية عادلة، لكن ليس لها حامل وطني حقيقي؛ فكل المشاريع العاملة اليوم في الجنوب هي مشاريع خارجية، وتمول من جهات خارجية، وتعمل على تنفيذ أجندات خارجية، ولذلك لن يكتب لمؤتمر التشاور الجنوبي النجاح، وقد سارع المؤتمر الوطني لشعب الجنوب إلى إعلان مقاطعته لمؤتمر التشاور الذي دعا إليه ونظمه المجلس الانتقالي الجنوبي، وقال مؤتمر شعب الجنوب في بيانٍ له: أنه يرفض المشاركة؛ بسَببِ التبعية، والاحتواء، والضم والإلحاق، وأنه يسعى إلى وحدة الشارع الجنوبي بعيدًا عن المؤثرات والتبعية، وهو موقف محمود لمؤتمر شعب الجنوب.

وطالب البيان الصادر عن مؤتمر شعب الجنوب الممثل الأممي والدول العشر بالاجتهاد؛ مِن أجل الحل الشامل لحرب اليمن، ووضع نهاية للأزمة والحرب، وإرساء دعائم السلام والأمن، ورفع بنود وأحكام البند السابع، وإخراج الأطراف الأجنبية بما فيها تحالف الدول العربية من أرض اليمن، وإعادة السيادة الحرة لشعب اليمن شماله وجنوبه، ومنحه فرصة يدير نفسه بنفسه، ويحافظ على سيادته، وحدوده وسيطرته على أرضه وبلده اليمن بحدود ما قبل الحرب، وطالب بإعادة الإعمار ودفع التعويضات مقابل ما تم تدميره من مؤسّسات، ومن بنى تحتية، وحمل دول العدوان كُـلّ الدمار والأضرار التي لحقت بالمواطن والوطن.

وقال تجمع القوى المدنية في الجنوب إنهم رفضوا دعوة الانتقالي للمشاورات؛ لأَنَّ عوامل الفشل باقية، وقد غابت حضرموت عن المؤتمر؛ لأَنَّها ترى نفسها كياناً مستقلاً لا يمت لمشروع الانتقالي بصلة، كما غابت أبين؛ بسَببِ عوامل تاريخية واجتماعية، فالانتقالي من وجهة نظر أبين جهوي مناطقي قروي وغير أمين على حمل مشروع دولة الجنوب، وهذا شعور ينمو مع الأيّام في عدن التي ترى في الانتقالي مشروع قرية غير قادر على صناعة المستقبل الجنوبي، وهو كذلك عند الكثير من النخب الثقافية والسياسية الجنوبية، فالمراحل والتفاعلات في السنين الخوالي تركت ظلالاً ومعالماً وشواهداً دالة على مشروع الانتقالي، ولذلك توجست النخب الجنوبية من الانتقالي شراً ولم تتفاعل معه.

وفكرة التشاور فكرة احتيالية من الإمارات ومن بعدها إسرائيل لغرض توسيع دائرة الصراع في اليمن، وفرض أجندات جديدة في المراحل التي تشهد هدوءً نسبياً وتقارباً سياسيًّا بين الكثير من الأطراف الإقليمية ذات الفاعلية والأثر، ولذلك شهدنا تراجعاً سعوديّاً عن الشروع في الحل السياسي، وتوارى السعوديّ ليترك المجال للمندوب الأممي الذي اختفى وعاد اليوم؛ كي يسيطر على مجريات الحدث هو وبمعيته المندوب الأمريكي، فأمريكا لا تريد أن تفقد السيطرة على زمام المبادرة، ولذلك سارعت بالعودة على اللعب بمشاعر الناس من خلال التصريحات التي أطلقها المبعوث الأممي وهي جزء من التخدير الذي تمارسه السياسة الدولية في اليمن.

موضوع المزايدة بالقضايا الإنسانية كحقوق العيش والكرامة والتنقل والحصول على المرتبات لن تكون فضلاً ولا هبةً من أحد، هي حقوق طبيعية واستغلالها لتحقيق مكاسب سياسية عجزت عنها الترسانة العسكرية، هو العجز بعينة وهو الهزيمة التي يكابرون العالم في عدم الاعتراف بها.

أما فكرة الدولة في الجنوب فقد أصبحت من سابع المستحيلات اليوم، ولا سبيل للجنوب إلَّا التشظي والانقسام إن أراد الانفصال، أَو البقاء موحداً في ظل الدولة اليمنية الواحدة، ولا خيار ثالث للجنوب اليوم ولا غداً، فالمكونات أعلنت عن مواقفها، والواقع شهد حركة تقول برفض الانتقالي في أبين، وفي حضرموت، أما المهرة فالمصالح الإقليمية مانعة من وصول الانتقالي إليها، فالسلطنة ترى في المهرة عمقاً استراتيجياً لها، ووصول الانتقالي لها يضر بمصالح السلطنة، والسعوديّة تحرص على بقاء السلطنة كعنصر محايد يقود الانفراجات السياسية في ورطتها في اليمن، ولذلك فالانتقالي لن يتجاوز تأثيره حدود الضالع إلا إلى لحج وعدن، مع قدر من الاضطراب والمقاومة، فمشروع القرية لم يعد مقبولاً عند الكثير من النخب في الجنوب وبالتحديد في عدن.

ولا سبيل لليمن إلا بتوحيد الإرادَة الوطنية الحرة والتي تتمثل في إنهاء التدخل في شؤونه الداخلية وسحب القوات الأجنبية وتركه يدير شأنه بعيدًا عن الوصاية الدولية، ولن يتحقّق ذلك إلا بوحدة الإرادَة السياسية الجامعة لليمنيين.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com