عددٌ من الأسرى المحرّرين يروون لصحيفة “المسيرة” حكاياتِهم مع الوجع في معتقلات العدوان: عائدون إلى الجبهات

تعذيبُنا كان فوق ما نتخيّل ويقينُنا بأننا في سبيل الله ساعدنا على الصبر والتحمل

أغلى وأهم اللحظات هي وصولنا إلى مطار صنعاء ومعانَقةُ الأهل والأحبة

 

المسيرة – منصور البكالي:

أثلجت مشاهدُ وصول الأسرى المحرّرين من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة صدورَ كُـلّ اليمنيين؛ فالمشاعرُ لا يمكنُ وصفُها، سواءً للأسرى أَو لذويهم أَو للمستقبلين، حَيثُ اختلطت دموعُ الفرح ولحظاتُ الفرج، واللقاء بعد طول غياب، موشحةً بسورة النصر ورقصة البرع وهتاف الصرخة في وجوه المستكبرين.

مطارُ صنعاء الدولي شاهدٌ على هذه اللحظة التاريخية التي وثّقتها عدسات الكاميرا، لأسرى استنشقوا عبيرَ الحرية، وقبّلوا ثرى الوطن، وهم يصرخون بدموع الفرحة: “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل”.

قال أحد الأسرى بعد هبوطه من الطائرة إنه مكث في سجون النظام السعوديّ ١٤ سنة، لكن وصوله إلى صنعاء أنساه الآلامَ والأحزان، ومعاناة وغُربة السجن، مؤمناً بعزيمته التي لا تلينُ أن نصرَ الله قادم، وأنه على استعداد لقتال أعداء الله في جبهات الوغى حتى يتم التخلص من دنسهم، رجسهم.

أحد أهالي الأسرى الذين تجمعوا بأعدادٍ كثيرةٍ في ساحة مطار صنعاء وعند مدرج الطائرة، قال بصوتٍ مكلوم: “هذا هو عيدنا الكبير، لقد فرحنا كَثيراً، وامتلأت قلوبنا بالبهجة لهذه المشاهد الجميلة”.

أراد العدوانُ الأمريكي السعوديّ أن يقتل فرحة اليمنيين بهذا النصر المؤزر؛ فأوجع أسرانا، ووضع بعضَهم في الطائرة وهم معاقون من شدة ما لاقوه من صنوف العذاب، لكن هذا لم يزد الأسرى والمستقبلين والأهالي إلا حماساً وصبراً وعزيمةً لا تلين؛ فمع نزول الأسرى المحرّرين من سُلَّمِ الطائرة تلمحُ ببصرك العاجزين عن المشي، وتلحظ آثارَ التعذيب باديةً على محياهم؛ ليدُلَّ ذلك على حجم معاناتهم وقصصهم المأساوية في سجون الظالمين.

وبفارغِ الصبر وشوق اللقاء والعناق لوالده الأسير منذ بداية العدوان الأمريكي السعوديّ على شعبنا اليمني، يقف الشبل مشعل إسماعيل يحيى حمد عيضة الشجرة، ذو الحادية عشرة، شامخاً مترقباً لحظة وصول والده في ساحة مطار صنعاء الدولي، الذي لم يعد يتذكر ملامح صورته بل كان رافعاً لصورته على صدره؛ عَلَّه يجد ذاتَ الشخص من ضمن النازلين من سُلَّمِ الطائرة، ويحدوه الأملُ لوصول والده وضمه بين ذراعَيه، ملتمساً روحَ الأُبوَّة التي حرمه العدوانُ إياها وهو لا يزال رضيعاً وبعد فراق طالَ للعام التاسع على التوالي.

ويعد حميد واحداً من بين آلاف أبناء الأسرى وذويهم الذين ينتظرون بشوقٍ كبير وبلهفةٍ لوصول الأسرى المحرّرين من سجون الظالمين.

 

حكاياتٌ من وجع:

ويوجّه علي أحمد صالح ناشري، الذي وقع في الأسر منذ 3 سنوات وشهرين، رسالة شكر وتقدير للقيادة الثورية والسياسية على حُسنِ الاستقبال، واصفاً إياه بــ “الاستقبال غير المتوقع”، والذي ضاعف حجم الفرحة الكبرى وعبر عن مدى اهتمام القيادة بالأسرى.

ويتابع الأسير ناشر في حديثه لصحيفة “المسيرة”: “شعورنا اليوم لا يوصف وهذه فرحة لا مثيل لها في الحياة، بل هي حياة جديدة وعمر جديد بعد ما عشناه من العذاب والإذلال والقهر في سجون العدوّ السعوديّ، بل هذه إحدى تجليات رعاية الله لعباده المؤمنين، وثمرة من ثمار الثبات والصمود في مواجهة أعداء الله، ولا يمكننا إلا أن نقول للعدوان الأمريكي السعوديّ: إن معنوياتنا عالية فوق السحاب، وميادين الجهاد والمواجهة ستترجم لكم خلال الأيّام القادمة نتاج ما زرعته أياديكم الظالمة، ومعاملاتكم السيئة، ولن تجدونا إلا حَيثُ تكرهون”.

ويواصل: “لن يثنينا تعاملهم معنا عن العودة، بل زادنا يقيناً بصوابية موقفنا وعدالة قضيتنا، وزادنا إيماناً بأهميّة مواجهتهم وقتالهم، وبأننا على الحق وهم على الباطل، ولا مفر لهم من بأسنا وَغضبنا في قادم الأيّام، إن شاء الله تعالى، والعاقبة للمتقين”.

من جهته، يقول الأسير البطل عبدالجبار محمد هادي عساب، عما لاقوه من العذاب داخل سجون العدوّ السعوديّ: “صدق قول الله فيهم: “لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ”، مؤكّـداً أن “هؤلاء لا عهدَ لهم ولا قيم ولا مبادئ في تعاملهم مع الأسرى، حَيثُ مارسوا معنا مختلف أنواع التعذيب بكل أوصافه، ولم نكن نتوقع أن مثل ذلك التعامل والتعذيب يصدر من بشر ينتمون لديننا الإسلامي ولقيمنا الإنسانية، لكن ذلك ما زادنا إلا يقين وإيمان وثقة بالله وبما من علينا من الهداية التي قدمها لنا المشروع القرآني، وأن من نواجههم في الميدان مُجَـرّد أدوات ومسوخ بشرية تنفذ توجيهاتِ ومخطّطات اليهود ورموزِ الشر في هذا العالم”.

ويؤكّـد عساب في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن سجون العدوّ مدرسة رسخت فيهم ضرورة الاستمرار في التحَرّك الجهادي لمواجهة العدوان الأمريكي السعوديّ، وضرورة الذود عن دين الله المستهدف بالدرجة الأولى وعن المقدسات وعن شعوب الأُمَّــة التي تعيش الضلال والتيه في ظل حكام عملاء، لا يفقهون غيرَ الطاعة العمياء لأسيادهم المستكبرين.

ويشير عساب إلى أن حفاوةَ الاستقبالِ لا توصف وأن مشاعر الفرحة كبيرة جِـدًّا، وأن قادم الأيّام لن تكون في غير الجبهات.

أما الأسير المحرّر محمد علي والذي خرج من سجون الأعداء بعد 5 سنوات من المعاناة والعذاب فيصف تعاملات السجان بأنها “لا ترضي الله ولا رسوله، بل تعكس ما هم عليه من التنسيق والتماهي مع اليهود والنصارى، وتكشف حقيقة ارتباطهم بأعداء الله وأعداء الأُمَّــة، وتخليهم وتنصلهم عن توجيهات الله في كتابه القرآن الكريم وكيف وجّهنا الله للتعامل مع الأسرى في سجوننا، لكن تعاملاتهم معنا أثبتت مدى تخلّيهم عن كتاب الله في واقعهم وفي قوانينهم وتشريعاتهم وتعاملاتهم، وأكّـدت أنهم لا يرعون في مؤمن إلاً ولا ذمة، وكل ما يقومون به من العذاب لنا تكرار للأساليب الأمريكية والصهيونية التي مورست بحق الأسرى الفلسطينيين والعراقيين”.

ويقول الأسير محمد: إن من أفضل الأخبار التي كان يسمعُها وهو في الأسر هي أخبار الانتصارات التي يحققها الجيش واللجان الشعبيّة، وإن أفضلَ خبر سمعه بعدها كان خبر الإفراج عنهم ونجاح صفقة التبادل، لافتاً إلى أن أغلى وأهم اللحظات في عمره هي لحظات وصوله إلى مطار صنعاء الدولي، وسجوده على ذرات التراب اليمني، ومعانقته لأسرته وأهله ومحبيه، بعد سنوات من التعذيب والصبر خلف الجدران على عدو لا يجيد سوى أُسلُـوب الاستقواء على الأسرى، والجبن في الميدان.

ويؤكّـد محمد أن الجبهات كانت ولا تزال أقدس وأطهر الأماكن المحببة إلى قلبه، وأن شوق العودة إليها لا ينافسُه شوقٌ آخرُ غير الشوق للشهادة في سبيل الله في ميادين العزة والشرف لمواجهة الغزاة والمحتلّين، موجهاً حمده لله على التحرّر من الأسر، وشكره للجهود الحثيثة التي بذلتها وتبذلها القيادة السياسية والثورية، وشكره لحُسن الاستقبال وكرم الضيافة.

بدوره، يقول عادل علي أحمد همدان، أسير منذ سنتين ونصف سنة: “نحمد الله على نعمة النصر والمكانة التي وصلنا إليها لتنجح صفقات تبادل الأسرى، وهذه بفضل الله وبفضل التضحيات التي قدمها إخواننا الشهداء والجرحى والمرابطون وقيادتنا السياسية والثورية والعسكرية وصمود شعبنا العظيم، مُشيراً إلى أنه لولا هذا الصمود وهذه التضحيات لكنا غير موجودين اليوم على تراب اليمن، ولَما عدنا ولَما كان للعدو السعوديّ ومن خلفه الأمريكي أن يقعدَ على طاولة المفاوضات ويبحث مع صنعاء هذه الصفقات التي طالما ماطل في إنجاحها وسعى لعرقلتها خلال السنوات الماضية التي سبقت وقعنا في الأسر مع بعض زملائنا الذي لهم منذ بدأ العدوان، وهذه نعمةٌ يجبُ أن نحمدَ اللهَ عليها، ونستشعر مسؤوليتنا أمام الله”.

ويتابع همدان في حديثه لصحيفة “المسيرة”: “صحيحٌ تلقينا أصنافَ التعذيب وفوق ما لم نكن نتخيله، لكن يقيننا أننا في سبيل الله ثبّتنا وعزّز في أجسادنا القدرة على التحمل والصبر على المعاناة حتى أذن هو بالفرج، ومع هذا نحن نقولُ للعدو الأمريكي السعوديّ: ستعود جنايتُكم عليكم، ولم تزيدونا إلا قوةً وعزمًا وإرادَةً على الثبات والاستمرار في رفد الجبهات بقوافل الرجال والمال، حتى يصدقنا وعده بالنصر والتمكين، ونطهّر كُـلّ الأراضي اليمنية من دنسكم، وهو عهد قطعناه على أنفسنا التي بعناها من الله بكل تفانٍ وإخلاص ويقين”.

ويدعو همدان كُـلَّ أبناء الشعب إلى الاستمرار في مواجهة العدوان الأمريكي السعوديّ، ورفد الجبهات بقوافل المال والرجال، والوقوف صفاً واحداً خلف القيادة الثورية والسياسية والعسكرية في صنعاء؛ لتحرير اليمن والمشاركة الفعالة في تحرير كامل الأراضي والمقدسات العربية والإسلامية من دنس التواجد الصهيوني والأمريكي في المنطقة.

 

شوقٌ لا يُصدَّق:

عبدالرحمن -والد أحد الأسرى وهو يعانق ولدَه لفترة طويلة وعيونهما تسكبُ دموعَ الفرح وتعبر عن شوق الحنين في مشهد بكائي فرائحي مختلط أدهش الحاضرين فرحاً وبكاءً في وقتٍ واحد- يقول: “بعد غياب 4 سنوات من البكاء والحنين وتفشي الشعر الأبيض في لحيتي ورأسي، لا أكاد أصدِّقُ أنني اليوم أعانقُ ولدي مجدّدًا، وأضمه بين أضلعي”.

ويضيف عبدالرحمن في حديثه لصحيفة “المسيرة”: “ها هو أخوه الذي قَدِمَ لاستقباله كان مرابطاً طوال العام في الجبهات، وأنا كذلك لم أكن يوماً أفكر فيه أَو في ذاتي بقدر ما كنت عليه من الهَمِّ حين أتذكر معاملة العدوّ الجبان للأسرى، وبحمد الله عاد ابني وعادت معه سعادتي وفرحتي في الحياة مجدّدًا بشكل لا أقدر على وصفه”.

ويؤكّـد عبدالرحمن أنه في سبيل الله يرخصُ كُـلُّ غالٍ، وأن العودة للجهاد في سبيل الله والانطلاق نحو الجبهات مع أبنائه أهم ما يفكر به اليوم، وأفضل رد على العدوّ السعوديّ الذي أسر ابنه لأربع سنوات.

ولدُه علي عبدالرحمن بدوره يقول: “نشكُرُ القيادةَ على هذا الاستقبال البهيج، وعلى الجهود المبذولة والمساعي المشكورة، ونشكر كل أبناء شعبنا اليمني صمودهم وثباتهم، ونثمّن لإخوتنا المجاهدين صنيع ما حقّقوه من الانتصارات في ميادين الجهاد المقدس، ونسأل اللهَ أن يتقبَّل منهم ومنا صالح الأعمال الجهادية، وأن يوفقنا للوفاء ببيعنا الذي بعناه من الله، ولنحيا على تراب هذا الوطن كرماء أعزاء أَو نموت في سبيل الله شامخين شهداء، وأَلَّا يستبدل بنا غيرَنا في مواجهة قوى الاستكبار العالمي في هذا العصر، وأن يحفظ قائدنا وعلم زماننا سيدي ومولاي عبدالملك بدرالدين الحوثي وقيادتنا السياسية والعسكرية، وكل أبناء شعبنا المرابطين والصامدين في الجبهات”.

ويؤكّـد علي في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن: “الوفاءَ لدماء الشهداء لن يكونَ إلا بالعودة إلى الجبهات، وأن العدوّ السعوديّ الذي يمارس بحق الأسرى اليمنيين أبشع أنواع التعذيب لن يعرف غير لغة القوة، وهي اللغة المناسبة معه ومع سيده الأمريكي والصهيوني”.

ويشير علي إلى أن خروجَه وزملائه من سجون العدوّ السعوديّ ليسَ بدايةَ النهاية للحرب بين الحق والباطل، بل هو حق مشروع لكل من يقع في الأسر واعتراف سعوديّ أولي بالهزيمة، ونقطة تحول في مسار المواجهة تقود نحو مراحلَ أخرى يكتب الله فيها عظيمَ نصره لهذا الشعب، وبمشاركة سواعد الأسرى المفرج عنهم، وأن المعركة مُستمرّة وإن وقفت لبعض الوقت، وإن العدوّ لا يزال يكرِّرُ مغالطاتِه ويسوِّقُ لأكاذيبه، ولن يجدي نفعاً معه سوى ثباتِ أهل الحق واستمرار جهادهم حتى يزهق الباطل ويحقّق اللهُ النصرَ لشعبنا اليمني”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com