السيد عبدالملك الحوثي في المحاضرة الرمضانية الـ16: غزوة بدر الكبرى وقع فيها انتصار تاريخي عظيم شكّل فارقاً حقيقياً في البشرية بشكل عام وفي واقع المسلمين بشكل خاص

 

نأمل أن ينتقل الأشقاء في سوريا إلى استراتيجية الردع في مواجهة الكيان الصهيوني

الإسلام بفرضه الجهـاد على المؤمنين يحد من حجم المظالم وسفك الدماء والعـدوان ويمثل عامل حماية للأمة وللمستضعفين ومنعة وردع لأعدائهم

الله -سبحانه وتعالى- شرع الجهاد في غزوة بدر وفرضه على المؤمنين وأول من تحرك هو الرسول محمد -صلى الله عليه وعلى آله-

آثار غزوة بدر الكبرى امتدت إلى عصرنا وإلى قيام الساعة لصالح الأمة والمسلمين وقيم الخير والعدل ولصالح الرسالة الإلهية عبر الأجيال.

الله -سبحانه وتعالى- وثّق أحداث غزوة بدر في سورة الأنفال وقدّمها كمدرسة للأمة لتأخذ منها الدروس والعبر ومنها فريضة الجهاد التي تعيد للأمة عزتها وكرامتها

 

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إبراهيم وَعَلَى آلِ إبراهيم إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أصحابهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنت السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنت التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات:                                      السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه.

يومُ السابع عشر من شهر رمضان المبارك: هو ذِكَرى لغزوةِ بدرٍ الكبرى، التي وقعت في السنة الثانية للهجرة النبوية، وهي غزوةٌ ذاتُ أهميّةٍ كُبرى؛ باعتبارها أولَ معركةٍ خاضها الرسولُ “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، ومعه المسلمون، الذين استجابوا له وانطلقوا معه في تلك الغزوة، في مواجهة الكفر، والتصدي لأعداء الإسلام والمسلمين.

ولأهميّة تلك المعركة، وما نتج عنها من المتغيِّرات الكبيرة، سمَّى الله ذلك اليوم بيوم الفرقان، حينما قال “جَلَّ شَأنُهُ” في القرآن الكريم: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}[الأنفال: من الآية41]؛ باعتبار ذلك اليوم بما وقع فيه من انتصار تاريخي عظيم ومهم، كانت له أهميتُه الكبيرة، وشكَّلَ فارقًا حقيقيًّا في مسيرةِ البشرية بشكلٍ عام، وفي واقع المسلمين على وجهٍ أخصَّ؛ فما بعد ذلك اليوم اختلف تماماً عمَّا قبله، وهذه مسألةٌ مهمةٌ بالنسبة لنا؛ باعتبار أن آثارَ تلك الأحداث والمتغيرات، وتلك الوقعة المهمة، امتدت إلينا إلى عصرنا، وامتدت عبر الأجيال إلى قيام الساعة؛ فهي ذاتُ صلةٍ بما تحقّق من نتائجَ مهمة، ليس فقط لعصرها وزمنها، أَو في عصر رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” فقط، وإنما امتد ذلك الأثر بشكلٍ عام لصالح الأُمَّــة، لصالح المسلمين، لصالح قيم الخير والعدل، لصالح الرسالة الإلهية، وعبر الأجيال، ويمتد إلى قيام الساعة.

يومٌ بهذه الأهميّة، فيما تحقّق به للبشرية بشكل عام، وفيما تحقّق به للمسلمين على وجهٍ أخص، هو جديرٌ بالاهتمام به، بالتذكر له، بالدراسة له، بالحديث عنه، بالاحتفاء به؛ باعتبار ما حصل هو نعمةٌ عظيمةٌ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وباعتباره أَيْـضاً محطةً مهمةً للدروس، للعبر، للاستفادة منها بشكلٍ كبير، فيما تحتاج الأُمَّــة إليه، وهي في، أمس الحاجة إلى أن تستفيد من تاريخها، وهي تواجه التحديات والأخطار الكبيرة في هذا العصر.

اللهُ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ذكر فيما يتعلَّقُ بغزوة بدر في القرآن الكريم، ووثَّقَها في سورةٍ من أهم السور القرآنية، التي تحدثت عن الجهاد في سبيل الله، وهي (سورة الأنفال)، مساحةٌ كبيرةٌ من هذه السورة تحدثت عن غزوة بدر، ولكنها قدمتها تقديمًا يختلف عن تقديم أصحاب السير والتواريخ، قدمتها كمدرسة للأُمَّـة، تستفيد منها، تستلهم منها، تأخذ الدروس والعبر منها، تهتدي بها، وتنتفع وتتأثر على المستوى التربوي والروحي، بما يبنيها لأداء هذه الفريضة المهمة، فريضة الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، التي لا بُـدَّ منها للأُمَّـة، في حمايتها، ومنعتها، وقوتها، وعزتها، واستقلالها، وكرامتها… إلى غير ذلك.

يبيِّن اللهُ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” (في سورة الأنفال) بقوله: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إلى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحدى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}[الأنفال : 5-8]، في هذه الآيات المباركة لوحدها كم هناك من الحقائق المهمة، التي فيها الكثير من الدروس والعبر لنا نحن في هذا الزمن وفي هذا العصر، وبحسب ما نواجهُه من أخطارٍ وتحدياتٍ وعوائقَ في واقعنا العام.

الأمرُ بالجهاد للنبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، والتحَرّك لتلك الغزوة المهمة، كان من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، كان توجيهًا إلهيًّا، اللهُ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” شرع الجهادَ لعباده المؤمنين، وفرضه عليهم فرضًا؛ ليكون من ضمن التزاماتهم الإيمانية والدينية، بل من أهمها، مثلما فرض عليهم الصلاةَ والصيامَ وسائرَ الفرائض، فرض الجهاد، وأول من تحَرّك ليمثل القُدوة هو رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، كما هو القُدوة في كُـلّ أمور ديننا، هو يتحَرّك من موقع القُدوة والقيادة والهداية، وما تحَرّك فيه هو يرسم للأُمَّـة عبر الأجيال، يرسم لها فيه طريق الهداية، ويبين لها دينها والتزاماتها الدينية والإيمانية.

والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” حينما شرع الجهاد، هو غنيٌّ عنا، غنيٌّ عن أعمالنا، غنيٌّ عن جهادنا، {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت: الآية6]، ولكنه شرعه ليكون وسيلة خيرٍ لنا، لحمايتنا، لقوتنا، لعزتنا، لكرامتنا، لدفع الأخطار عنا، حالة الصراع في الواقع البشري هي حالةٍ قائمة بين البشر، ليست المسألة أنه حينما أتى الإسلام أتى بالجهاد، فأثار مشكلة في الواقع البشري، كان البشر يعيشون في أمن، وسلام، واستقرار، وليس بينهم صراعات، ولا مشاكل، ولا أحد يعتدي على أحد، ولا أحد ينال أحدًا بشرّ، فجاء الإسلام بالجهاد فأثار مشكلةً كبيرةً، وفتح بابًا للقتلِ والقتال، والصراعات، وسفك الدماء، وغير ذلك، الإسلام بفرض الجهاد هو يحدّ أصلًا، يحدّ أصلًا من حجم المظالم، من حجم سفك الدماء، من حجم العدوان، هو يمثل عامل حماية للأُمَّـة، عامل قوة، وحماية للمستضعفين، ومنعة، وردع لأعدائهم، وهذا ما أثبته التاريخ، في المراحل التي استجاب المسلمون فيها لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأحيوا هذه الفريضة، كانوا هم في حالة منعة وعزة وقوة، ووفروا لأنفسهم الأمن والسلام والاستقرار إلى حَــدّ كبير، والمراحل التي عطلت فيها الأُمَّــة هذه الفريضة، وشطبتها، وتنصلت عنها، وتقاعست عنها، هي المراحل الأكثر مأساة في واقع الأُمَّــة، الأكبر مظلومية ومعاناة ومخاطر، والثمن الذي دفعته الأُمَّــة فيها -في مثل تلك المراحل- من أمنها، واستقرارها، وسلامتها، وكرامتها، واستقلالها، هو ثمنٌ باهظ ورهيب جِـدًّا، قُتِل من الأُمَّــة الملايين، في مثل تلك المراحل، التي تقاعست فيها الأُمَّــة عن الجهاد، اُستُبيحت الأُمَّــة، اُستُبيح أبناؤها بالقتل، واُستُبيحت أوطانها بالاحتلال، وثرواتها بالنهب، صودرت حريتها، وكرامتها، واستقلالها.

فحينما نعود إلى فريضة الجهاد، وندرس غزوة بدر الكبرى، نرى أن الأمر من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لنبيه “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}[الأنفال: من الآية 5]، الأمر هو حق، هو أمرٌ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” للتحَرّك في موقف حق، وقضية حق، قضيته هي الإسلام، والتصدي للأعداء الطغاة المعتدين، الذين يحاربون الإسلام في مبادئه وقيمه، والذين يسعون إلى إذلال المسلمين وقهرهم وفتنتهم، والسيطرة عليهم، والاستعباد لهم، ويريدون ألَّا تقوم قائمة لأمر الإسلام والدين الإلهي.

رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” هو تحَرّك في ظروف صعبة، من حَيثُ العدد، والعدة، والإمْكَانات، ولا يوجد مقارنة في حجم ما يمتلكه الأعداء من الإمْكَانات المادية والعسكرية، وفي العدد والعدة، وبين واقع المسلمين.

ولذلك كانت هناك مخاوف مؤثرة على البعض من المسلمين، الذين خرجوا مع رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” وكانوا يعترضون؛ بالنظر إلى تلك الظروف: الواقع المادي، الإمْكَانات، قلة العدد، وقلة العدة، النقص الكبير في الإمْكَانات، فكانت مخاوفهم كبيرة، يرون واقع المسلمين -بحسب الإمْكَانات والنظرة المادية- أنه ضعيفٌ جِـدًّا، وينظرون إلى الأعداء في قدراتهم، وإمْكَاناتهم، ونفوذهم، وتأثيرهم، أن المعركة قد تكون لصالحهم، {وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إلى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ}[الأنفال: 5-6]، هذا هو حال فريق من المؤمنين، الذين خرجوا مع رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، وهم في هذه الحالة، من الاضطراب، والتردّد، والقلق، والتوتر، وربما البعض قريبًا من حالة اليأس، إن لم يكن يائسًا، فما بالك بالواقع من حولهم.

المنافقون والذين في قلوبهم مرض: كانوا مثبِّطين، مرجفين، ومحاولين أن يهزوا الموقف بكل ما يستطيعون، وحكى الله عنهم قولهم: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال: الآية49].

أمَّا واقع الأعداء فهو ذاك: كُـلّ البيئة المحيطة بالإسلام -على المستوى المحلي، والإقليمي، والدولي- معادية للإسلام، الإمبراطوريات القائمة تكره الإسلام وتعاديه، الواقع على مستوى الجزيرة العربية والمناطق المختلفة: الكل معادٍ للإسلام.

لكن في ظل تلك الظروف، بكل ما فيها من تعقيدات، بكل ما فيها من واقعٍ ليس هو -بحد ذاته- يخدم الإسلام، لكن رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، تحَرّك، استجاب لأمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ووَثِقَ بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من منطلق أمر الله والاستجابة له، ومن منطلق الثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتمسك بالقضية الحق، والموقف الحق، تحَرّك “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” بكل عزم، بكل شجاعة، بكل تفانٍ في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بكل تصميمٍ لأداء تلك المهمة في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

كانت إرادَة الله بالرغم من إمْكَانية أن تقع المعركة، وألَّا تقع، أن تقع؛ لأَنَّ في وقوعها الخير للمسلمين، يتحقّق لهم نصرٌ كبير، يترتب عليه نتائج مهمة، هي: إحقاق الحق، ولهذا قال الله: {وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِـمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُجْرِمُونَ}[الأنفال: 7-8]، إحقاق الحق في الساحة، في الواقع، فرضه في الواقع، منع الباطل، إزهاقه من الواقع، لا بُـدَّ فيه من الجهاد في سبيل الله، وإلَّا فَـإنَّ أهل الباطل يسعون هم إلى فرض باطلهم، يتحَرّكون بباطلهم، وشرهم، ومنكرهم، وفسادهم، وطغيانهم، في الساحة؛ ليسيطروا بذلك كله على الناس.

وفعلًا عندما تحَرّك رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، وَوِثق بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ووقعت المعركة -تفاصيلها في سورة الأنفال، وبعض التفاصيل في كتب السير والتاريخ- حدثت المفاجأة الكبيرة، التي مثلت صدمةً كبيرةً لكل الأعداء، ولكل المتوجسين، ولكل المتردّدين؛ أمَّا بالنسبة للمسلمين فكانت مفاجأة سارة جِـدًّا، المفاجأة الكبيرة كانت بذلك النصر التاريخي العظيم، حَيثُ حصلت في تلك المعركة ضربة كبيرة لقريش، قُتِل الكثير من كبارهم، من فرسانهم، من قادتهم، وأُسر البعض منهم، وانهزم الباقون هزيمةً كبيرةً جِـدًّا، وعاد النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” منتصرًا، وعاد بذلك النصر الذي غيَّر المرحلة، غيَّر الواقع تماماً، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران: الآية123]، وبذلك النصر اعتز المسلمون، نصرهم الله وهم أذلة، وبعد ذلك الانتصار أصبحوا في عزة، في قوة، في منعة، في مهابة أمام أعدائهم، واطمأن الكثيرون إلى مستقبل الإسلام أنه منتصر؛ لأَنَّه لم يكن قد واجه مثل ذلك التحدي فيما سبق، يخوض معركةً مع الأعداء، ويتصدى لهم، عندما يتحَرّكون بخياراتهم العسكرية، وقدراتهم العسكرية؛ بهَدفِ القضاء على الإسلام، كان هناك الكثير من المتوجسين والمتردّدين: [ماذا لو واجه الإسلام هذا التحدي؟ ماذا لو تحَرّك الكافرون بإمْكَاناتهم العسكرية وقدراتهم العسكرية، واتخذوا الخيار والقرار العسكري للقضاء على الإسلام والمسلمين، هل سيصمد رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، ومعه القلة القليلة من أُولئك المستضعفين، بإمْكَاناتهم المتواضعة؟ وَإذَا صمدوا وثبتوا هل سينتصرون؟]، تحقّق ذلك النصر وتغير الواقع تماماً.

فكان فاتحةً مهمة، تلاه الكثير من المعارك، والأحداث، والمتغيرات، وتلاه الكثير من الانتصارات، وفي بعضها إخفاقات، كان منها دروس مهمة، مثلما هو حال (غزوة أحد)، وُصُـولاً إلى السنة الثامنة للهجرة، من السنة الثانية للهجرة إلى السنة الثامنة للهجرة، والتي تم فيها -وكانت في شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة- الفتح الإلهي الكبير لمكة، عندما تحَرّك النبي في غزوة فتح مكة، فكان أَيْـضاً انتصارا عظيمًا جِـدًّا، وثبَّت أمر الإسلام والمسلمين في الجزيرة العربية بشكلٍ عام، ودخل الناس في دين الله أفواجا.

فغزوة بدرٍ الكبرى، وَأَيْـضاً فتح مكة، كلاهما حدثان مهمان، نتج عنهما متغيرات مهمة جِـدًّا لصالح الأُمَّــة، لصالح الإسلام والمسلمين، لصالح قيم الخير، والعدل، والسلام، والعزة، للمستضعفين، وللبشرية، كلاهما حصل في شهر رمضان المبارك: غزوة بدر في السنة الثانية، وفتح مكة في السنة الثامنة، كلاهما أسّس مرحلةً كبيرةً ومتغيراتٍ مهمة، لصالح المستضعفين بشكلٍ عام، لخير البشرية عُمُـومًا، إلَّا من أبى.

وهكذا ما بعد ذلك؛ يعني: غزوة حنين، غزوة تبوك، غزوات أُخرى، رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” واصل مسيرته الجهادية حتى الرمق الأخير، ما قبل وفاته، وهو على فراش المرض، قبل وفاته أعدّ جيشًا ليُنفذه بقيادة أسامة بن زيد، وتوفي قبل تحَرّك ذلك الجيش، لكن حتى وهو في الرمق الأخير يقول: ((أَنفِذوا جِيشَ أُسَامة))، يأمُرُهم بأن يتحَرّكوا للجهاد في سبيل الله.

رسولُ الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، في ما يميز حركته ومسيرته الجهادية: أنه رسم للأُمَّـة كلها طريق الخير، طريق العزة، طريق الهداية، ما هو من دينها، ما هو من تعليمات ربها، وما هو من التزاماتها الإيمانية الدينية، وما فيه الخير لها؛ ولذلك فحركته حركة هداية للأُمَّـة، حركة خيرٍ للأُمَّـة، إنجازاته لها أثرها المهم لمستقبل الأُمَّــة، وليست فقط لعصره “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، ولهذا يقول الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: الآية21].

فالنبيُّ “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” هو النبي المجاهد، هو من أعظم الأنبياء جهادًا في سبيل الله، هو الذي أمره الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، والذي قال له الله: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا}[النساء: الآية84]، فتحَرّك وأعطى الجهاد في سبيل الله جزءًا مُهِمًّا، من اهتماماته، من أنشطته، ليس هناك أحد يمكن أن يصل إلى مستوى اهتمامه بأمر الجهاد في سبيل الله، فهو الذي تحَرّك وحرَّك الأُمَّــة، وكان يعد العدة، ويحرِّض، ويجهز، ويتابع تحَرّكات الأعداء بنشاط واهتمام كبير، ويبعث السرايا، ويبعث العيون والرَصَد، اهتمام كبيرٌ جِـدًّا بأمر الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

وكان ما يميز المستجيبين له من المسلمون: هو مدى استجابتهم له في أمر الجهاد، ما يبيّن ويوضح الأكثر إيمانًا، الأكثر صدقًا، الأكثر اهتماماً واستجابة لرسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، هم الأكثر تفاعلا معه من المسلمين في أمر الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولذلك يقول الله: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأموالهِمْ وَأنفسهِمْ وَأُولئك لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[التوبة: الآية88]، فكانت ميزة المؤمنين الصادقين، الأوفياء، المستجيبين: هي استجابتهم في أمر الجهاد في سبيل الله.

وكان ما يكشف حال البعض، إمَّا في نفاقهم، أَو في مرض قلوبهم، أَو في ضعف إيمانهم: هو عدم تفاعلهم مع رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، في أمر الجهاد، من خلال -بالنسبة للمنافقين- ما يقومون به من تخذيل، وإرجاف، وتثبيط، وسعي لإبعاد الناس عن مسألة الجهاد في سبيل الله، وتخويف كبير من الأعداء، وتشكيك كبير في الموقف، أَو غيرُهم من يتأثر بهم، أَو يتأثر بعوامل أُخرى، فيتخاذل، ويقعد، ويتخلف، ولا يستجيب، لا يتفاعل، لا بنفسه، لا بماله، لا بموقفه، لا بنصحه.

فكان القرآن الكريم (في سورة التوبة، وفي كثير من السور) يوبخ تلك الفئات، تلك النوعيات، يهاجمهم، يعيب عليهم موقفهم، يتوعدهم حتى، يتوعدهم بالعذاب على موقفهم المتخاذل، والسيئ، والمثبط والمرجف، والمشكك، والذي يحاول أن يُضعف الأُمَّــة لصالح أعدائها، فيقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ}[التوبة: الآية87].

بينما قدَّم الإيمان في سبيل الله على أنه معيار مهم لمصداقية الانتماء الإيماني، المؤمنون الصادقون عندهم استجابة لله في أمر الجهاد، من واقع التزامهم الإيماني والديني، وحرصهم على أن يستجيبوا لله، وأن يطيعوا الله، ومن واقع وعيهم، وفهمهم، ويقينهم، وبصيرتهم، بأهميّة الجهاد في سبيل الله، وأنه ضرورة لمصلحة الأُمَّــة؛ لعزتها، لقوتها، لمنعتها، لحمايتها، لدفع شر الأعداء عنها، فيقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأموالهِمْ وَأنفسهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئك هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات: الآية15]، جاهدوا، آمنوا، ولم يرتابوا، ليسوا ممن ليس لديه بصيرة، ولا يقين، ولا وعي، سُرعان ما يرتاب ويشك، ويؤثر عليه المشككون، والمنافقون، والذين في قلوبهم مرض، يتأثر بالحرب الدعائية، بالشائعات، بالدعايات، لم يرتابوا؛ هم أصحاب يقين، أصحاب ثقة، يثقون بالله، يثقون بوعده الحق، أصحاب وعي وبصيرة بقضيتهم، بعدالة قضيتهم، بأنهم في الموقف الحق، {وَجَاهَدُوا}، جاهدوا بالنفس والمال في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، استجابة لله، وفق توجيهاته، {أُولئك هُمُ الصَّادِقُونَ}.

يقول الله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: الآية142]، لا بُـدَّ من الجهاد والصبر؛ لكمال إيمانك، وقبول إيمانك.

والمشكلة لدى الكثير، حتى من غير المنافقين، لدى المنافقين والذين في قلوبهم مرض، ولكن حتى مِن غيرهم: هي في النظرة الخاطئة إلى الجهاد في سبيل الله، نظرة أنه شر، أنه خطر، أنه تهديد لحياتك، لراحتك، لاستقرارك، أنه مبعث شرٍّ على الأُمَّــة، ومشاكل لها مع الآخرين، وكما قلنا: كأنه لو لم يكن هناك جهاد سيكون واقع الناس من دون صراع، ولا مشاكل، ولا حروب، ولا أحداث، نظرة خاطئة.

يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شيئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: الآية216]، القتال -بحسب المزاج الشخصي، والرغبة النفسية، التي تميل إلى الدعة، إلى الهدوء، إلى الابتعاد عن كُـلّ ما يُتَوهَّم فيه أنه خطر- مكروه لدى الكثير من الناس، لكن لا ينبغي التعامل مع الأمور من خلال المزاج الشخصي، والأهواء النفسية، فقد تتجه بالإنسان الاتّجاه الخاطئ، تُبعده عمَّا هو في الواقع خيرٌ له، وتدفعه إلى ما هو في الواقع شرٌّ له، الشر على الأُمَّــة ليس في الجهاد، الشر على الأُمَّــة، الشر الكبير والخطر الرهيب في دينها ودنياها: هو في ترك الجهاد في سبيل الله، عندما تبقى أُمَّـة ضعيفة، عاجزة، مستسلمة، متنصلة عن مسؤولياتها، خانعة، ميتة، ليس لديها كرامة، ولا عزة، ولا تتحَرّك للتصدي لأعدائها.

الوضعية التي تُطمِع أعداءها، وهم أشرار، وهم طامعون، وهم حاقدون، وهم خطيرون، وهم مجرمون، وهم سيئون، عندما يرون في واقع الأُمَّــة واقعاً مُطمِعاً لهم، أُمَّـة ضعيفة مستسلمة، هيَّابَة من القتال، عاجزة، جامدة، غير متفاعلة مع قضاياها، ولا مهتمة بدفع الأخطار عن نفسها، هذا يشجعهم عليها.

كما ورد في الحديث النبوي الشريف: ((يُوشك أَنْ تَتَدَاعى عَلَيكُمُ الأمم، كَمَا تَتَدَاعى الأَكَلَةُ عَلَى قَصعَتِها))، تتداعى عليكم الأمم الأُخرى، من أعدائكم، من الطامعين فيكم، يتداعون في تحالفات عليكم؛ للهجوم عليكم، للسيطرة عليكم، لاحتلال أوطانكم، لنهب ثرواتكم، لاستعبادكم، للتنكيل بكم، والقهر لكم، يتداعون بطمع، بطمع كبير؛ لأَنَّ هناك واقعًا مطمعًا لهم، أُمَّـة تصبح مغنمًا لأعدائها، مستباحةً لأعدائها، لا يخشاها أعداؤها، لا يقلقون منها، يطمعون في أن يسيطروا عليها بكل راحة، بدون عناء، وكأنما الأكلة المدعوون إلى وليمة، إلى وليمة طعام، يتداعون إلى وجبة طعام مغرية دسمة، ((كَمَا تَتَدَاعى الأَكَلَةُ عَلَى قَصعَتِها))، كأن هناك قصعة مملوءة بالطعام، تصبح الأُمَّــة طُعمًا لأعدائها، وجبةً دسمةً لأعدائها، فريسةً سهلةً لأعدائها.

 ((قَالُوا: أَمِن قِلَةٍ نَحْنُ يَا رَسُوْلَ اللَّه يَوْمَئِذٍ؟))، هل السببُ الذي يطمِّعهم فينا إلى هذه الدرجة؛ فيتداعون علينا أُمَّـةً من هناك، وأمةً من هناك، ودولة من هناك، ودولة من هناك، يتداعون هذا التداعي، بهذا الطمع، بهذا الإغراء، أمِن قِلَة؟ ((قَالَ: أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِير، وَلَكِنَكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْل، يُنزَعُ الوَهَنُ مِن قُلُوبِ أعدائكُم، وَيُزرَعُ الوَهَنُ فِي قُلُوبِكُمْ))، وما هو الوَهَنُ هذا؟ فسَّره رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”: ((بِحُبِّكُم الدُّنيَا وَكَرَاهِيَّتِكُم المَوْت)) على هذا، أَو معناه.

فالرسولُ “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” يبيّن للأُمَّـة الخطورة الكبيرة عليها في الوضعية التي تتخلى فيها عن الجهاد، الذي يبنيها لِتُعِد ما تستطيع من القوة، لتكون على المستوى النفسي والتربوي أُمَّـة عزيزة، أُمَّـة لا تهاب أعداءها، أُمَّـة تعيش حالة العزة والكرامة، والجهوزية لمواجهة أعدائها، والتصدي لهم، عندها على المستوى النفسي، والمعنوي، والتربوي، وعلى مستوى الإعداد لما تستطيع من القوة، والبناء لنفسها في كُـلّ مجالات حياتها، ما يرتقي بها إلى مستوى مواجهة التحديات والأخطار.

السكون والجمود، والتنصل عن الجهاد في سبيل الله، وتعطيل هذه الفريضة، وشطبها من قائمة الاهتمامات لدى الناس: هو شرٌّ على الأُمَّــة، ولمصلحة أعدائها، {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شيئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

ما يمكن أن ينتقل بالأمة من وضعيتها، التي تتلقى فيها الضربات، وتدور فيها على رأسها المؤامرات، وهي جامدة، ساكنة، تترك لأعدائها أن يفعلوا بها ما يشاؤون، بل أحياناً تتحَرّك وفقًا لمخطّطات أعدائها، التي يريدون ضربها من خلالها، يكون جزء كبير من مهمة التنفيذ لضربتها بنفسها من خلالها هي، أَو تدفع هي كُلفة ضربها، وكلفة إذلالها، وقيمة مؤامرات أعدائها، فتصل إلى حَــدّ رهيب جِـدًّا من الوضعية المهيئة للأعداء للتلعب بها كيفما يشاؤون ويريدون، الانتقال بها إلى أن تكون في وضعية المتصدي للعدو، المواجه للتحديات والمؤامرات، الذي يتصدى لمؤامرات الأعداء، الذي يحرِّك الإمْكَانات والقدرات، ويبني الواقع ليكون في مستوى مواجهة الأخطار، هو بإحياء فريضة الجهاد في سبيل الله، بمفهومها الصحيح، بمفهومها القرآني، وليس بمفهومها الداعشي، الذي يحرِّكها خِنجرًا لطعن الأُمَّــة في ظهرها لمصلحة أعدائها، ويتحَرّك بالطريقة التي يرسمها أعداؤها تماماً، طريقة لإثارة الفتنة من الداخل، تحت العناوين التكفيرية، وعناوين أُخرى، والتحَرّك وفق البُوصلة الأمريكية والإسرائيلية.

ممارساتُ الأعداء التي يمارسونها بحق الأُمَّــة ممارساتٌ عدائيةٌ، واضحةُ العداء، أعداؤنا في هذا العصر يتحَرّكون ضدنا في كُـلّ شيء، في ديننا ودنيانا، يعملون كُـلّ ما يوجب علينا حتمًا أن نعيش المسؤولية الجهادية، في كُـلّ مجالاتها، في كُـلّ أنحاءها، في كُـلِّ أسبابها ووسائلها المشروعة:

  • الاستهدافُ لديننا، والعداء الصريح والواضح لديننا:
    • تلحظ إحراقهم للمصاحف، المصاحف التي هي من أقدس مقدساتنا، كتاب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذا تعبير عن عداء شديد للإسلام، ممارسة عدائية كبيرة لنا، فيما يتعلق بديننا.
    • إساءَات إلى رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، كتابات، ورسوم، وغير ذلك من الإساءَات، وأشكال وأنواع الاستهداف المسيء إلى رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”.
    • حرب على المقدسات، استهداف للمقدسات الإسلامية، ومن أبرزها ما يحصل للمسجد الأقصى والقدس.
  • استهداف لنا بالفتنة في ديننا، بفرض باطلهم، بفرض ضلالهم، كبدائلَ في واقع حياتنا في كُـلّ شؤوننا:
    • على المستوى السياسي، فرض باطلهم، فرض إملاءاتهم، في بقية شؤون حياتنا.
    • حتى على المستوى التعليمي والمناهج التعليمية.
    • على المستوى الثقافي والفكري، حرب ثقافية وفكرية، تستهدف تقديم بدائل ثقافية وفكرية؛ لتحل محل مفاهيم القرآن الكريم، محل ثقافة الإسلام، محل مبادئ الإسلام.
  • استهداف في القيم والأخلاق.
  • استهداف على المستوى الاقتصادي.
  • استهداف بالقتل والإبادة، كُـلّ يوم يُقتل مسلمون هنا أَو هناك، في ذلك القطر، أَو في ذلك البلد، أَو في تلك المنطقة.
  • استهداف أَيْـضاً باحتلال الأوطان، بلدان تُحتَل بأكملها، أَو قواعد تُفرَض في بلدان أُخرى؛ للسيطرة عليها، احتلال للبحار، احتلال للجزر، احتلال لمساحات واسعة وأماكن وقواعد مهمة، يفرضون لهم وجودًا عسكريًّا، يسيطرون من خلاله على هذا البلد، أَو ذاك.
  • ثم مع ذلك، مؤامرات في الواقع الداخلي للأُمَّـة؛ لإثارة الفتن بين أبناء الأُمَّــة، وتحريك فئة المنافقين، وفئة الفاسقين والمجرمين، للاعتداء على أبناء الأُمَّــة، والاستهداف لأبناء الأُمَّــة.
  • عمل دؤوب لمنع أبناء الأُمَّــة من أية نهضة حقيقية.
  • ومحاربة أي صوت حر وواعٍ بين أوساط الأُمَّــة، يستنهض الأُمَّــة لإنقاذها من واقعها الذي هي فيه.

فهجمتهم على الإسلام والمسلمين، على الأُمَّــة الإسلامية، على كُـلّ شعوبها، على كُـلّ أبنائها، هي هجمة شاملة.

ما يرتقي بالأمة لتتصدى لهذه الهجمة، في كُـلّ المجالات، في كُـلّ الميادين، لتحَرّك كُـلّ الطاقات والقدرات، في التصدي لهم، هو:

  • إحياء الروحية الجهادية، وإحياء هذه الفريضة.
  • والوعي عنها كفريضة من فرائض الله، والتزام إيماني، وأخلاقي، وديني.
  • وكذلك الوعي عن أهميتها، عن الحاجة إليها.

لأَنَّ هناك الكثيرَ من الوسائل المهمة ذات الأثر الكبير، ولكن عندما تعوّد الناس على التنصل التام عن كُـلّ شيء، عن موت الروحية الجهادية في نفوسهم، أصبحوا لا يعملون أيَّ شيء، مهما كان في متناولهم، مهما كان في مقدورهم، مهما كان باستطاعتهم، وفاعلًا ومؤثرًا:

  • برودة في التفاعل مع مسألة المقاطعة الاقتصادية، مع أنها حرب حقيقية على الأعداء، ومؤثرة تأثيرا كَبيراً عليهم، وعاملًا مهمًا في نهضة الأُمَّــة؛ لتصنع هي وتنتج هي البدائل، بدلًا عن اعتمادها على أعدائها، كثير من الناس لا يتفاعل.
  • التعبئة المعنوية.
  • التعبئة التوعوية.
  • الموقف الإعلامي.
  • الموقف العام.
  • الشعارات.
  • المواقف المعبِّرة عن موقفنا من الأعداء، عن حياة هذه الأُمَّــة.

مع وجود ما يعطي الأمل، إضافة إلى حقائق القرآن الكريم ووعد الله الصادق الذي لا يتخلف، من خلال النماذج الموجودة، التي تحَرّكت، فكان لتحَرّكها ثمرة ونتيجة، وهذا:

  • يُمَثِّلُ حُجَّـةً لله على الناس من جهة.
  • وفي نفس الوقت هو يعطي أملًا.
  • ويعالج حالة اليأس في واقع الأُمَّــة.

نحن رأينا الثمرة الكبيرة لصمود شعبنا وجهاده وتضحياته، ما حقّقه من انتصارات، ما حقّقه من نتائج مهمة، مع أن الحرب عليه حرب دولية وإقليمية وشاملة: عسكرية، واقتصادية، وغير ذلك.

رأينا ثمرة لنهضة الجمهورية الإسلامية في إيران، ثمرة مهمة جِـدًّا.

رأينا نتيجةً مهمةً لجهاد المجاهدين في فلسطين، والواقع في غزة يثبت ذلك.

رأينا ثمرةً عظيمةً ومميزةً جِـدًّا لحركة حزب الله في لبنان، وجهاده، وتضحياته، وما حقّقه من انتصارات عظيمة جِـدًّا، والهزائم التي لحقت بالعدوّ الإسرائيلي، بالرغم من كُـلّ إمْكَاناته، وما حظي به من مساندة دولية، وفي ما عاناه -في المقابل- حزب الله من مؤامرات إقليمية، حتى من الداخل العربي، لكن تحقّقت انتصارات مهمة، وتحقّق مع ذلك ردع كبير جِـدًّا، نجد ثمرة هذا الردع في الفارق بين الواقع تجاه حزب الله، وبينما يحصل على سوريا للأسف الشديد، التي أصبح العدوّ يضربها في أكثر الأيّام، ويستهدفها في أكثر الأيّام؛ لغياب استراتيجية الردع في الضرب للعدو، في مقابل أي ضربة يضربها، ونحن نأمل -إن شاء الله- أن ينتقل الإخوة في سوريا إلى هذه الاستراتيجية؛ ليعرف العدوّ أنه إذَا ضربهم، فسيتلقى الضربات في المقابل، هذا يمثل عامل ردع للعدو.

هذه النماذج أَيْـضاً في العراق، في أماكن أُخرى، في كُـلّ ما حصل من تحَرّك واعٍ ومسؤول في واقع الأُمَّــة، يلمس الناس ثمرة، نتيجة، عزة، منعة، قوة، هذا يمثل حجّـة كبيرة على الناس من جهة، ويعالج حالة اليأس من جهة، ويبيّن أهميّة أن تتحَرّك الأُمَّــة في كُـلّ المجالات، كأُمَّةٍ مجاهدة:

  • في الإعلام.
  • في السياسة.
  • في الاقتصاد.
  • في بناء قدراتها العسكرية.
  • في التصدي لأعدائها، في كُـلّ مجال يتحَرّكون فيه بشكل عدائي، ويستهدفونها فيه، إذَا تحَرّكوا عسكريًّا؛ تتحَرّك الأُمَّــة عسكريًّا لاستهدافهم، بكل جرأة، بكل ثقةٍ بالله، وتوكلٍ على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهكذا في كُـلّ المجالات.

هذا ما هو كفيل بأن يغيّر واقع الأُمَّــة؛ لتكون الأُمَّــة مقتديةً بنبيها المجاهد، برسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، الذي أحيا الجهاد، والذي قدَّم أرقى وأعظم صورة ونموذج وقُدوة للجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

أَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه.

نَسْأَلُهُ أَنْ يَتَـقَـبَّل مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَامَ، وَالقِيَامَ، وَصَالِحَ الأَعْمَالِ، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ.

وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُـــه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com