الدواءُ الإلهي..بقلم/ ألطاف سعد المناري

 

تمُر بنا السنون ونتقلِبُ فيها ما بين نعيم لا نشعر بقيمته وما بين بلاء نهتز معه، وكثير ما تزُر دورنا رياح المشاكل العاصفة، وتشكوا بيوتنا قلّ الرزق وتضيق لذلك صدورنا، ونفقد الصبر، ونكتفي بلوم الواقع الذي نعيشه رغم علمنا أننا سبب رئيس في إصلاحه أَو بقائه على سوئه، وأحياناً تزل أقدامنا نحو شهواتنا ورغباتنا، ولا نتذكر عواقب تعدي حدود الله.

كلّ تلك الأمور التي تكدر صفو حياتنا لا نعلم أنه يوجد في القرآن الكريم شفاؤُها، بل إن فيه ما يُبددها ويُحول حياتنا إلى سعادة وطمأنينة وخير، موضع تلقي ذلك العلاجِ الرباني هو “القلب” فَـإنَّ هيأناهُ لذلك تماثلت حياتنا واستقرت وازدهرت، وأتتنا الدنيا طائعة دون جهد منا، وإن ابتعدنا عنه نعيش في ضيق وفقر وحاجة وتعاسة دائمة، يختل توازن حياتنا فنفقد التوفيق ونُسلب الإرادة، الأعراض المصاحبة لذلك الدواء الإلهي الراحة النفسية، الحياة الكريمة والسعيدة، الخير والرزق الوفير، ذلك العلاج مكون من عبارة واحدة تعالج كلما نفقد عليه الحيلة، تلك العبارة هي “التقوى” عبارة واحدة تجلب لنا الرزق من حَيثُ لا نحتسب وتجعل لنا من كُـلّ ضيقٍ مخرجاً، حَيثُ قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ من حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ).

أحياناً نقف على ناصية أحلامنا وأمور حياتنا مكتوفي الأيدي لا نملك إلى ذلك سبيلاً، ولأن أحلامنا مقدسة قد نسلك طرقاً تهوي بنا إلى الهاوية، وعند الله علم بذلك فأوجد لنا حَـلاً مضمونًا، وقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)، وفي حال سقطنا في الهاوية ووقعنا في شباك الهوى والخطأ يرغبنا بعفوه وكرمه الذي لا يضاهيه كرم إنسان فيقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا).

في مراحلٍ من حياتنا قد نحاول أن نقتدي بأهل الإحسان واليد البيضاء فنُقدم قرابين إلى الله، ونرى من اقتدينا بهم يقطفون ثمار إحسانهم وقرابينهم بعكسنا نحن، نغتاظ ونتساءل لما لم يُتقبل منّا؟!

فيأتي الجواب من فوق سبع سماوات شافياً كافياً مدعماً بقصةٍ مليئة بالدروس والعبر يقول تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ، إذ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَـمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْـمُتَّقِينَ)، لا يكفي أن نحسن وأن نتقرب إلى الله بالصالحات، بل يجب أن يكون منبع ذلك هو تقوى الله، الخوف من عذابه، والطمع في رضاه وجنته، ولا يكفي أن ننتمي إلى دين الله شكلاً ونُرَائي بأعمالنا؛ فابن آدم لم يكفه انتماؤه إلى دين الله ولا حسبه ونسبه، بل إن الدين ميثاق بيننا وبين الله؛ فيجب تعزيز التقوى حتى تتلاشى مشاكل أمتنا، فسبب ما تعانيه مجتمعاتنا المسلمة هو؛ بسَببِ انعدام حالة التقوى كما قال السيد القائد -حفظه الله-.

خوفك من الله ومن عقابه الشديد وضبط نفسك على تقوى الله وتعزيزها في قرارات نفسك له الأجر والثواب الكبير، فالله يقول: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْـمُحْسِنِينَ)، ثواب عاجل وثواب آجل متمثل في جنات نعيم أعدها الله لك أيها المتقي (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا)، كم يحب الله ويغدق على من كان مؤمناً تقياً!

كم نسعى لأن إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ نحظى بحب كبير بيننا وننال منه عطاء وإن كان زهيداً لا يرقَى إلى عطاء الله وحبه وهو سبحانه من يكرّر في آياته “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ”؛ فما أذل ابن آدم يرجو من مخلوق عند الخالق ضعفه! وما أحقرنا نلهَثُ وراء فتات تعطينا إياه قاداتنا أَو دول الكفر والنفاق ولا نسارع إلى نعيم الله الدائم الذي لا يبور!

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com