القاتلُ الخفي لليمنيين.. عنقودياتُ العدوان تفتكُ بالمدنيين

خلال العام الماضي سجلت الحديدة النصيب الأكبر للضحايا أغلبهم من الأطفال

 

المسيرة – إبراهيم العنسي

تخلِّفُ قنابلُ العدوان الأمريكي السعوديّ الكثيرَ من المآسي والأحزان، فهناك قِصَصٌ كثيرةٌ لضحايا الألغام المحزنة، الأطفال والبراءة الصاخبة بالأمل، وقد امتزجت بالألم.

وخلال ثماني سنوات من العدوان، هناك مساحات واسعة زُرعت بالألغام والقنابل العنقودية ومخلَّفات الحرب؛ وبسببها سقط آلافُ المدنيين والضحايا الأبرياء في معظم المحافظات اليمنية، وكانت محافظة الحديدة شاهدًا على عمق وحجم المأساة التي خلفتها القنابل العنقودية، والتي استخدمها تحالف العدوان في غاراته الجوية على نطاق واسع ومفرط في كُـلّ بقاع اليمن.

وفي مديريات محافظة الحديدة كُـلّ يوم كغيرها من المحافظات يزداد معدل الإصابات؛ بفعل هذه المخلفات.. فئة الأطفال هي الأعلى نسبة والأكثر تضرراً والأقل حظاً مع قلة الحذر وضعف الحيلة وكثرة الحركة المفعمة بحيوية الطفولة.

راشد محمد ناصر مشعشع، بعمر “سنة واحدة” وشقيقته هند البالغة 13 عاماً نموذج طفلين من أهالي مديرية التحيتا عزلة السويق، عاد الأخوان إلى منزلهما بعد نزوح لسنوات، لكنها كانت عودة للمزيد من الأوجاع، فبينما كانت هند تلعب مع شقيقها راشد جوار منزلهما جذب انتباهها شيءٌ غريبٌ لا تعرف ما هو، وهو ما حرّك فضولها، معتقدةً أنها لعبة أطفال، دون أن تعرف أنها “قنبلة عنقودية” من مخلَّفات العدوان، ستسبب لها الكثير من المتاعب.

فقدت هند يدَها، وأُصيب شقيقها راشد الذي لا يزال طفلاً في عامه الأول، ليُسجَّلَ كأحد أصغر ضحايا القنابل العنقودية في اليمن.

وليست هند وراشد الضحيتين الاستثنائيتين لهذه المخلفات، فهناك الآلاف من الأطفال الذين كانوا ضحايا “عنقوديات” العدوان، وهو ما يكشف عن كارثة إنسانية محقّقة يعيشها أطفال اليمن؛ بفعل هذه المخلفات.

ويعد عبدالله -(5) سنوات- نموذجاً آخرَ لانتهاك العدوان لحقوق الطفولة باليمن، فقد بُترت قدماه بعد أن أصابه انفجار لغم، وغالبًا ما يسأل والدته بحرقة وحزن: متى ستنمو قدماي، فلا تجد الأُمُّ المسكينة من إجَابَة سوى الحزن الذي يعتصر فؤادها.

وتظل مشكلةُ مخلفات العدوان من أهم القضايا التي تثير اهتمامَ المركَز التنفيذي للتعامل مع الألغام، فقد اختتم قبل أَيَّـام مؤتمرَ الشراكة الأول للأعمال المتعلقة بالألغام، بمشاركة المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ومنظمة اليونيسف واللجنة الدولية للصليب الأحمر والأوتشا، وعدد من المنظمات العاملة في اليمن.

وأراد المركَزُ من خلال هذا المؤتمر أن يلفت انتباهَ الجهات والمنظمات الدولية المعنية للمسارعة في إنقاذ حياة الأبرياء الذين يعيشون في مناطقَ مليئةٍ بمخلفات الحروب من الألغام والقنابل العنقودية وغيرها.

وأشَارَ رئيس المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام، العميد علي صفرة، إلى أن العدوان الأمريكي السعوديّ استخدم الأسلحةَ المحرَّمة بما في ذلك القنابل العنقودية والصواريخ المحظورة التي خلفت منذ العام 2015م ما يفوق 8 آلاف من ضحايا القنابل العنقودية ومخلّفات الحرب في مختلف المحافظات.

ويعود أحدُ أسباب ارتفاع عدد الضحايا إلى أن مركَزَ نزع الألغام يعاني من نقص الدعم والموازنات والمستلزمات والأجهزة المخصصة للتعامل مع تلك المخلفات؛ ما يعيقُ عملَه في الميدان، وكما يقول صفرة: “هناك أجهزة ومعدات خَاصَّة بالألغام لا تزال حتى اليوم محتجزَةً في جيبوتي، وتحتاج إلى المناصَرة من المنظمات الأممية والدولية للضغط على التحالف لإدخَالها، فالحاجة ماسة لها، حَيثُ يقف المركز أمام كارثة؛ نتيجة وجود أنواع متعددة من مخلفات الغارات الجوية والقنابل العنقودية على مستوى جميع المحافظات، إذ تم رصد حوالَي 20 نوعاً من القنابل العنقودية.

والواضح -بحسب رئيس مركز نزع الألغام- أن العدوان أسهم بشكل كبير في توسع نطاق وحجم انتشار واتساع التلوث الذي جعل اليمن في المرتبة الأولى، بحسب ما صرّحت به مديرة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام “UNMAS” إيلين كولين، أثناء زيارتها لليمن في ديسمبر العام الماضي، حَيثُ أشَارَت إلى التأثيرِ المباشرِ للألغام والقنابل العنقودية على القطاع الزراعي بشقَّيه: النباتي والحيواني الذي يمثل أهم مصادر تعزيز العيش للمواطن اليمني.

وبيّنت أن الأراضي الزراعية التي تضررت بشكل مباشر بلغت 783 ألفًا و690 مزرعة، إضافة إلى 132 ألف هكتار، والتي تحتاج إلى تدخل من المركز التنفيذي، بحسب طلب وزارة الزراعة والسلطات المحلية ومناشدات المواطنين، فضلاً عن الأضرار التي لحقت بالقطاع الحيواني والتي تصل إلى 3.5 مليون رأس من الثروة الحيوانية، بحسب إحصائيات وزارة الزراعة.

وفي أجواء المؤتمر المتفائلة، أكّـد العميد صفرة على ضرورة التعاون والتنسيق المباشر لتحسين مستوى العمل والاستفادة من الخبرات والتطورات في مجال نزع الألغام، مشيداً بجهودِ كُـلِّ المنظمات العاملة في اليمن في التعاون مع المركَز التنفيذي للتعامل مع الألغام في التخفيف من وطأة الحروب التي استهدفت اليمن.

ومع تسجيل اليمن بشكل يومي لضحايا الألغام؛ فَـإنَّ هذا مؤشر غير جيد، ومعناه المزيد من الضحايا إذَا استمر الوضع على حاله، وكما أشار رئيس دائرة التعاون الدولي بالمجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، علي الكحلاني؛ فأهميّة هذا المؤتمر يأتي في ظل استمرار تسجيل وسقوط الكثير من الضحايا كُـلّ يوم نتيجة الألغام ومخلفات العدوان.

وللتأكيد على أن العملَ الإنسانيَّ لا تجبُ مقايضته بأية “أجندة سياسية”، بل يجب معه العمل كفريق واحد لإنقاذ أرواح الأبرياء ومساعدة المصابين، وأسر ضحايا الألغام والمتفجرات التي زرعت في أماكن تواجد المجتمعات المدنية.

وبحسب الكحلاني، فاليمن أمام “كارثة كبيرة” لا يعرف حجمها إلا من يسكن في المحافظات والمناطق الملوثة التي تسببت في عجز الكثيرين عن الرجوع إلى بيوتهم ومساكنهم وأراضيهم، حَيثُ أصبحت مناطقهم مفخخة بالألغام والقنابل، وما شابهها، وأدت إلى نزوح أعداد كبيرة منهم إلى محافظات أُخرى؛ على أمل أن يعودوا بعد تطهير مناطقهم من تلك الألغام والمتفجرات، وهو ما يبرز أهميّة ودور منظمات الأمم المتحدة والمنظمات العاملة في اليمن في تخفيف معاناة أُولئك الضحايا من خلال الضغط للسماح بإدخَال المعدات الخَاصَّة بنزع الألغام المحتجزة من قبل العدوان.

 

البلد الأكثر تضرراً في العالم

بدوره يقول مدير مكتب الأوتشا، سجاد محمد، وممثلة الصليب الأحمر، مايا أورديز: إن اليمن من الدول الأكثر تضرراً من الألغام على مستوى العالم؛ ما يستدعي من المجتمع الدولي دعم الأنشطة الإنسانية للأعمال المتعلقة بالألغام في جميع أنحاء اليمن.

إذ يشيران إلى أن هذه الأعمال الإنسانية هي الركيزة الأولى للسماح بالعودة الآمنة للنازحين إلى مناطقهم الأصلية، كما أنها خطوة أولى في عملية إعادة تأهيل البنية التحتية الحيوية كالمدارس والمستشفيات وخطوط أنابيب المياه التي كانت تقع بالقرب من خطوط المواجهة، لافتين إلى أن اللجنة الدولية عززت دعمها لقطاع الأعمال الإنسانية المتعلقة بالألغام، من خلال دعم المدنيين المتضررين من الألغام والمتفجرات.

وفي المقابل أكّـدا على ضرورة إيجاد حَـلّ فعال وجماعي للتخفيف من معاناة المجتمعات المدنية باستقدام خبرات وموارد جديدة؛ لدعم هذه الجهود، وزيادة الأعمال المتعلقة بالألغام في جميع البلاد.

واستعرض المؤتمرُ حجمَ ونطاقَ التلوث والتحديات والصعوبات التي تعيق عمل المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام، إلى جانب استعراض ومناقشة الفجوة في التعامل مع الألغام لدى الأوتشا والبرنامج الانمائي.

تقاريرُ دوليةٌ بجنيف تتحدث عن عشرات ضحايا الألغام في اليمن لا تُعرف مصادرها، حَيثُ يتم تغييبُ المركَز التنفيذي لنزع الألغام بصنعاء من أية مشاركات دولية؛ ما يدعو للاستغراب ووضع علامات استفهام حول مصادرِ ومعلوماتِ تقارير المنظمات حتى من يشاركون في صنعاء ضمن إسهامات معالجة ضحايا الألغام والمناطق الملغومة، ففي يناير 2023 سقط (30) ضحية بينهم (14) شهيداً وَ(16) مصاباً جراء انفجارِ الألغام والقنابل العنقودية ومخلفات الحرب، وبلغ عدد الضحايا من الأطفال في الإحصائية التي وثقها المركز التنفيذي (14) طفلاً ما بين شهيد وجريح، توزعت على محافظات (الحديدة، صنعاء – نهم – الجوف، صعدة).

وخلال الثلاثة الأيّام الأولى من فبراير الجاري 2023 وثّق المركز سقوط ما يزيد عن عشرة من الضحايا.

 

أجهزة نزع الألغام.. ممنوع الدخول

وخلال الأعوام الماضية، استمر المركز التنفيذي لنزع الألغام بمتابعة الأمم المتحدة، ووكالتها، بشأن توفير الأجهزة الكاشفة للقيام بتطهير المناطق الملوثة بالألغام والقنابل العنقودية التي استخدمها التحالف السعوديّ في العديد من المحافظات اليمنية بشكل مفرط، ويسقط جراء تلك المخلفات ضحايا بشكل يومي، وإلى تاريخ اليوم لم يتم توفير هذه الأجهزة مع عدم سماح التحالف بدخولها.

عدم سماح تحالف العدوان دخول الأجهزة المتعلقة بنزع الألغام والقنابل العنقودية ومخلفات الحرب يصنف من الانتهاكات الجسيمة وعرقلة لوصول المساعدات الإنسانية ومنع عودة النازحين إلى مناطقهم، حسب ما نصت عليه الاتّفاقيات الدولية والبروتوكولات الإضافية، منها ما ورد في المادة (6) من اتّفاقية أوتاوا و”الذي يعتبر التحالف ملزَمًا بتسهيل وتبادل المعدات والمواد والمعلومات العلمية والتكنولوجية؛ كونها معدات إنسانية وتُستخدم في الأعمال الإنسانية”.

أيضًا ما نصت عليه المواد رقم (3-7 – 8) من البروتوكول الخامس الملحق باتّفاقية من حظر أَو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أَو عشوائية الأثر، وعدم اتِّخاذ التدابير الوقائية لحماية المدنيين أثناء الصراع وبعد الصراع والمتمثل في منع دخول الأجهزة الكاشفة.

وفي اليوم الثاني للمؤتمر، تناول المشاركون التدخلات المطلوبة للمنظمات الدولية المانحة والممكن أن تقوم بها في مجال حماية المدنيين في المناطق الملوثة والتخفيف من معاناتهم؛ بما يمكّن النازحين من العودة إلى منازلهم.

وفي ختام أعمال مؤتمر الشراكة المتعلقة بالألغام، أوصى المشاركون بضرورة نقل ما تعانيه المجتمعاتُ المتأثرة في اليمن إلى العالم ومناصَرة ضحايا مخلفات الحرب، كما أكّـدوا على مأساويةِ وكارثية الوضع في اليمن، من حَيثُ أعداد الضحايا وحجم التلوث الكبير بالألغام والقنابل العنقودية ومخلفات الحرب، وأهميّة المشاركة والمساهمة في تطهير المناطق الملوثة؛ لضمان عودة النازحين إلى أراضيهم بشكل آمن، وتسهيل وصول المساعدات للمدنيين واستعادة الخدمات واستمرار العملية التعليمية وَتطهير الأراضي الزراعية ليتمكّن المواطنون من ممارسة حياتهم الطبيعية والآمنة.

ويتضمن التقرير السنوي للمركز التنفيذي للتعامل مع الألغام 2022، إحصائياتٍ تفصيليةً لضحايا مخلفات العدوان على اليمن.

وبحسب التقرير، فقد عملت فرق المسح الأولي (المسح غير الفني) في تحديد (147) منْطقةً ملوثةً بمخلفات الحرب بمساحة بلغت (336.190.000).

خلال العام 2022 أشَارَت الفرق الميدانية إلى (76) حقلاً بمساحة (1.860.٠٣٣.085)، وطهرت فرق التطهير للمركز التنفيذي خلال العام مساحة (2.318.285) مترًا مربعًا من مخلفات الحرب، كما تم اكتشاف وتجميع حوالى “20252” قطعةً من الألغام والقنابل العنقودية ومخلفات حرب.

وفي مجال التوعية، فخلال العام 2022م عملت فرق التوعية للمركز التنفيذي على توعية (503.953) مستفيدًا من جميع فئات المجتمع.

 

أرقامٌ للضحايا

وفي إحصائيات لضحايا الألغام والقنابل العنقودية، ومخلفات الحرب للعام 2022، سجل المركز التنفيذي إجمالي ضحايا بلغ (734) ضحيةً، بينهم (490) مصابًا، فيما بلغ عدد الشهداء (244) شهيداً.

وتضمنت الإحصائية فئة النساء، حَيثُ سجل المركز ضحايا من النساء بلغ (64) بين شهيد وجريح، فيما تضمنت الإحصائية فئة الأطفال، إذ سقط (233) طفلًا بينهم (54) شهيدًا.

هذه الإحصائيات الصادرةُ عن المركز توزعت على محافظات (البيضاء – الجوف – الحديدة – الضالع – المحويت – تعز – حجّـة – ذمار – ريمة – صعدة – صنعاء – عمران – لحج – مأرب – إب).

وخلال العام 2022 كان النصيبُ الأكبرُ لضحايا الألغام والقنابل العنقودية ومخلفات الحرب في محافظة الحديدة، حَيثُ سجل المركز في إحصائية إجمالية سقوط (355) مواطنًا منهم (218) جريحًا، فيما بلغ عدد الشهداء (137) شهيدًا أغلبهم من الأطفال.

وخلال العام 2022 أجرى المركَزُ التنفيذي للتعامل مع الألغام عمليتَي إتلاف لمخلفات الحرب التي جمعها ونزعها في محافظة الحديدة، عملية الإتلاف الأولى في 25 مايو الماضي والتي أتلف فيها أكثر من 500 جسم حربي، وهذا كانت دفعة واحدة، فيما عمليات الإتلاف مُستمرّة منذ تنفيذ عمليات التطهير.

وفي ديسمبر 2022م أتلف المركز التنفيذي أكثرَ من (9700) شملت ألغامًا وقنابلَ عنقودية ومخلفات أُخرى غير منفجرة تم جمعها ونزعها من مديريتي (الحالي – الحَوَك)، وتمت عملية الإتلاف مرة واحدة، حَيثُ تعد هذه العملية أكبر عمليات الإتلاف التي قامت بها فرق المركز التنفيذي.

وكما تناول إنجازات المركز وفِرَقِه العاملة، فقد تطرق إلى جملة التحديات التي واجهت وما زالت تواجه المركز، منها استمرار وقوع الضحايا وخَاصَّة الأطفال والنساء، وشحة الموارد البشرية والمادية لدى المركز؛ مما يؤثر على جاهزية المركز لمواجهة التحديات الكبيرة للتي يتطلبها الواقع في معظم المحافظات

إضافة إلى عدم توفير معدات الحماية والأجهزة الكاشفة، وهذا يمثل أهم التحديات التي تواجه المركز في عمليات التطهير، حَيثُ قدّم المركز العديدَ من كوادره شهداء في سبيل الله هدفاً لإنقاذ الآلاف من المدنيين، كذلك ضعف مستوى تقديم الخدمات الطبية والإنسانية والرعاية اللازمة للضحايا وأسرهم، وعدم وجود الية تنسيق بين الجهات الفاعلة في الأعمال المتعلقة بالألغام.

إلى جانب هذا، فَـإنَّ التقارير الدورية المرفوعة من قبل منظمات الأممية المعنية لم تتضمن وبما يعكس حجمَ الإنجاز الذي تم تحقيقُه من قبل المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام، على الرغم من التحديات والصعوبات التي يواجهها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com