اتّحاد الإعلاميين اليمنيين يستعرض في ندوة ذكرى خروج المارينز من صنعاء باحثون وإعلاميون: ثورة 21 سبتمبر حطّمت التدخلات الخارجية للأمريكيين في اليمن

المسيرة – خاص

نظم اتّحادُ الإعلاميين اليمنيين، أمس، ندوةً إعلاميةً استعرض خلالها تفاصيلَ خروج المارينز الأمريكي والسي آي أيه من العاصمة صنعاء في 11 فبراير 2015 بمشاركة نخبة من المثقفين والناشطين الإعلاميين اليمنيين ورؤساء تحرير الصحف الرسمية والأهلية.

وتناول رئيس اتّحاد الإعلاميين اليمنيين الباحث عبدالرحمن الأهنومي في ورقته المقدمة للندوة “الهروب الأمريكي المهين من العاصمة صنعاء في 11 فبراير 2015، متحدثاً في محاور ثلاثة، الأول هروم المارينز، والسي آي أيه من العاصمة صنعاء في 11 فبراير 2015م” والمحور الثاني “طبيعة وجود السفارة الأمريكية ونشاطها ودور السفراء”، فيما كان المحور الثالث حول “مقدمات وإرهاصات وأسباب دفعت الأمريكيين للهروب”.

وأكّـد الباحث الأهنومي في مقدمة ورقته أنه في يوم 11 فبراير 2015م أغلقت اليمن صفحة سوداء من الوصاية الأمريكية التي استمرت عشرات السنوات، وهو ما يجعلنا نطلق على هذا اليوم يوم التخلص من الهيمنة الأمريكية كإنجاز لثورة 21 سبتمبر، مُشيراً إلى أنه في مثل هذا اليوم خرجت حوالي 40 سيارة من السفارة الأمريكية في منطقة شيراتون بالعاصمة صنعاء باتّجاه مطار صنعاء، وأنها كانت تحمل العدد الأخير من المارينز الأمريكي، وضباط وعناصر السي آي أيه، ومعهم السفير الأمريكي ماثيو تولر.

وواصل قائلاً: حينها كانت رويترز والبي بي سي والسي إن إن ووكالات الصحافة الغربية قد نشرت في اليوم السابق أخباراً تفيد بأن السفير الأمريكي سيغادر صنعاء، فجاءت المغادرة بعد حديث متكرّر من مسؤولي الإدارة الأمريكية بدأ منذ يناير 2015م، بأن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت بتقليص عدد موظفيها وعناصر القوات الخَاصَّة المارينز والسي آي أيه في اليمن.

 

مسار من التدخلات المخيفة

من جانبه تناول الكاتب والباحث أنس القاضي في ورقته التدخلات الأمريكية في الوطن العربي واليمن، مقدماً لمحة تاريخية عن هذا التدخل عبر التاريخ، ولا سيما عقب الحرب العالمية الثانية.

وقال القاضي إن الحضور الأمريكي في الجزيرة العربية كان مِن أجل النفط قديماً، وهو يعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، حَيثُ تزايدت أهميّة المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية مع أزمة الطاقة في السبعينيات، وبداية من ثمانينيات القرن الماضي أصبحت المملكة العربية السعوديّة المصدر الأول للطاقة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مع بقاء عائدات النفط في البنوك الأمريكية ومتاحة أمام استثمارها من قبل الولايات المتحدة.

وأشَارَ إلى أن التدخل الأمريكي مر بعدة مراحل في اليمن، فمرحلة قبل الوحدة حين اعترفت بالمملكة المتوكلية عام 1946م، شكّلت نقطة استخباراتية إقليمية، ومارست واشنطن تدخلات خطرة ضد فصائل الحركة الوطنية وضد الأسرة المتوكلية، ومثلت السعوديّة بوابة أمريكا للتدخل في اليمن في مراحل الستينات حتى التسعينيات، ضد كُـلّ حراك وطني وكل فصائل الحركة الوطنية وثورتي 26 سبتمبر وَ14 أُكتوبر، وضد النظام الوطني في اليمن الديمقراطية، وضد حكومة الحمدي، وضد القوى السياسية القومية واليسارية إبان الحرب الباردة، وقد تجاوزت أمريكا التدخل عبر الوكلاء وظهرت بصورة مباشرة بعد نهاية الحرب الباردة وهزيمة المعسكر الاشتراكي.

وبرزت التدخلات الأمريكية بشكل أكبر بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990-كما يقول القاضي- فقد كان لموقع اليمن الاستراتيجي أهميّة خَاصَّة لدى القيادة الأمريكية، ومارست في اليمن شتى التدخلات، وفي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والثقافية والاجتماعية بصورة مباشرة وصورة غير مباشرة وبطرق عنيفة وأُخرى ناعمة.

وتصاعد التدخل الأمريكي في الشأن اليمني بعد عام 2000، ومع بداية الهجمة الاستعمارية الأمريكية الجديدة باسم “مكافحة الإرهاب”، حَيثُ بدأت الولايات المتحدة الأمريكية -بحسب القاضي- بالتدخلات العسكرية المباشرة في اليمن، ومثلت اليمن ثاني أهم منطقة لأمريكا بعد أفغانستان في تلك الفترة، وكادت أمريكا تحتل عدن بعد تفجير المدمّـرة كول عام 2000م، كما اعترف صالح الذي أتاح لها التدخل الكامل في الشؤون العسكرية والأمنية.

وواصل القاضي قائلاً: “وصلت التدخلات إلى قيام الولايات المتحدة الأمريكية بسحب السلاح الخفيف والمتوسط من الأسواق وتفجير أسلحة الدفاع الجوية وحوادث سقوط الطائرات الحربية واغتيال الطيارين”، لافتاً إلى أن أمريكا كانت قد اتخذت قراراً بالتدخل العسكري في اليمن بالتزامن مع “عاصفة الصحراء” التي ضربت العراق على خلفية وقوف اليمن ضد الحرب على العراق، وجرت حينها صفقة معينة بين السفير اليمني الأشطر في أمريكا مع الرئيس بوش، فألغي التدخل، وحينها فرضت أمريكا والسعوديّة عقوبات اقتصادية على اليمن.

لقد مثل ملف مكافحة الإرهاب خلال الفترة 2000 حتى 2010 أبرز ملف جرت تحت غطائه التدخلات الأمريكية في اليمن، حَيثُ مارست عبره التدخلات المباشرة وانمحت الحدود الفاصلة ما بين عمل السفير وما بين عمل المندوب السامي، وكانت الحكومة اليمنية عمليًّا في وضع الحكومة المستعمرة والتابعة للولايات المتحدة.

ويؤكّـد الباحث القاضي أن ملف الإرهاب ملفٌّ استراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فعلى الرغم من أن واشنطن حولت اهتمامها في الفترة 2011- 2014م نحو الاهتمامات السياسية إلا أن مسألة “مكافحة الإرهاب” لم تهمش، وتضاعفت في هذه الفترة الأنشطة التخريبية في السياسة والثقافة والفكر والأخلاقي التي تصنف ضمن الحرب الناعمة.

ويواصل القاضي سرد التدخل الأمريكي في اليمن، ليصل إلى ثورة 11 فبراير والحوار الوطني من عام 2011 إلى عام 2014، لافتاً إلى أن التدخلات الأمريكية برزت “كتدخلات سياسية مباشرة” في تحديد السياسة الرسمية لليمن.

ويواصل: “عندما بدأت ثورة 11 فبراير 2011م وقفت الولايات المتحدة الأمريكية ضدها بكل قوة مدافعة عن بقاء نظام علي صالح، ثم عدلت واشنطن موقفها من علي صالح عندما تلقت وعوداً من اللقاء المشترك وهادي بأن يقوموا بدور علي صالح بل وأفضل منه، وهو ما تم فعلاً بعد الاستغناء عن صالح، وقد قام هادي بدور نشيط في تنفيذ التوجّـهات الأمريكية وقام بزيارات عديدة لأمريكا وكان يلتقى السفير الأمريكي أولاً بأول لرفع تقارير بمستوى الإنجاز الذي يقوم به وفق المخطّط الأمريكي وما زال هادي وحكومته في هذا المسار حتى اليوم من الرياض وعدن”.

ويزيد القاضي: “وخلال هذه الفترة وضعت أمريكا نصب عينيها مسألة إعاقة تحقيق أهداف الثورة ووصول القوى الوطنية إلى السُلطة، فهندست ما عُرف “بالمبادرة الخليجية”، وفق مبدأ أوباما “القيادة من الخلف”، وقدمتها عبر مجلس التعاون الخليجي، وتم دعمها بقرارات مجلس الأمن وقرارات العقوبات وغيرها، كما تجاوز السفير الأمريكي الدبلوماسية وصرح محرضاً بصورة مباشرة ضد مسيرة الحياة التي جاءت من تعز إلى صنعاء عقب المبادرة لتنشط المسار الثوري فتم الاعتداء عليها وسقوط شهداء من الثوار”.

ويتطرق الباحث القاضي إلى قرارات مجلس الأمن خلال هذه الفترة، مؤكّـدة أنها كانت أبرز أشكال التدخلات الأمريكية المباشرة، من القرار رقم (2014) لسنة (2011) الذي ثبت المبادرة الخليجية ووأد ثورة 11 فبراير، إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216)، الذي مثل غطاء دوليًّا للعدوان على اليمن.

وفيما يتعلقُ بمؤتمر الحوار الوطني يقول القاضي: إن أمريكا تعاملت معه كامتداد للمبادرة الخليجية؛ مِن أجل إضفاء صفة توافقية على الأهداف المحدّدة مسبقًا؛ ولأن ميدان مؤتمر الحوار الوطني والنشاط المدني كان هو ميدان الصراع الأَسَاسي، فقد رمت أمريكا بكل ثقلها في هذا المسار، ومارست التأثير على مؤتمر الحوار من داخله ومن خارجه أَيْـضاً عبر نشاط السفارة الأمريكية والملحقية الثقافية والمعهد الديمقراطي، كما قدمت الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري السخي لحكومة باسندوة ورئاسة هادي؛ مِن أجل الوصول إلى الأهداف المرجوة من المبادرة.

ووصلت التدخلات الأمريكية إلى النقطة الفاصلة، مع انتصار ثورة 21 سبتمبر 2014، لتنتقل واشنطن للوقوف ضد هذه الثورة التي كانت خارج حساباتها ومخطّطاتها، فحشدت أوسع التحالفات الدولية والمحلية ضد الثورة وحدّدت لنفسها مهمة ضرب الثورة والعودة إلى المحطة التي توقف بها مؤتمر الحوار الوطني، والكلام للإعلامي أنس القاضي.

ويشير القاضي إلى أنه في هذه المرحلة من العدوان المباشر، قدمت أمريكا مختلف أشكال الدعم العسكري واللوجستي والمشاركة الميدانية المباشرة في اليمن، والعمل السياسي والدبلوماسي المضاد للوصول إلى تسوية عادلة، وتأليب المجتمع الدولي ضد قوى الثورة في اليمن، وإصدارا القرارات والبيانات من مجلس الأمن الدولي وفرض العقوبات الاقتصادية العامة والخَاصَّة ضد شخصيات يمنية، حَيثُ بذلت أمريكا أقصى الجهود؛ مِن أجل ضرب الثورة وإعادة اليمن إلى عهد الوصاية، وهو الأمر الذي لم يتحقّق، وبدأ الانكسار يهدّد معسكر تحالف العدوان والمرتزِقة.

 

طائرات الدرونز ومسار التدخل الأمريكي

من جهته استعرض رئيسُ تحرير موقع الخبر اليمني الكاتب والإعلامي اليمني زكريا الشرعبي المسار التاريخي للتدخل الأمريكي في اليمن ولا سيما بعد ثورة 11 فبراير 2023، وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 التي أدخلت العالم في دوامة ما يسمى “بمكافحة الإرهاب”.

وقال الشرعبي إن الولايات المتحدة الأمريكية استغلت “فزاعة الإرهاب” للتدخل عسكريًّا في اليمن بعد أن كانت قد سيطرت عليها سياسيًّا واقتصاديًّا، وأنه منذ العام 2002 بدأت الطائرات بدون طيار الأمريكية في تنفيذ غاراتها ضمن برنامج سري.

وبدأت عمليات الطائرات بدون طيار في اليمن في 3 نوفمبر من هذا العام، حَيثُ نفذت الولايات المتحدة أولى العمليات بصاروخين من طراز هيلفاير للطائرة بدون طيار على مركبة مسافرة في ريف اليمن، مما أسفر عن مقتل ستة.

وسرد الشرعبي في ورقته بعد ذلك الكثير من الأحداث التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكي عبر طائراتها بدون طيار في اليمن، والتي كانت تقتل اليمنيين خارج نطاق القضاء، ولم تكن مبرّرةً على الإطلاق، ثم تطرق إلى الدور الأمريكي في الحروب الظالمة على صعدة، مؤكّـداً أنها وجهت نظام الخائن صالح وأشرفت على هذه الحروب، بما فيها عملية اغتيال الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رحمه الله- الذي نعيشُ هذه الأيّام ذكرى رحيله، لافتاً إلى أن أمريكا شاركت في عمليات الحروب على صعدة من خلال تقديم الخرائط وعمليات المسح الجوي عبر طائرات الاستطلاع، وهو ما أكّـدته وثائقُ تم نشرها في أوقات سابقة من خلال وسائل الإعلام اليمنية.

وأوضح الشرعبي أن الحرب تحت ما يسمى “مكافحة الإرهاب” لم تكن فقط حرباً غير شرعية وتنتهك سيادات الدول، بل كانت أَيْـضاً حرباً إجرامية، راح ضحيتها ما يقارب 1500 مدني يمني، حَيثُ استخدمت أمريكا في بعضها صواريخ كروز “غير الدقيقة للغاية”، مُشيراً إلى أن الخائن صالح كان قد أخبر البرلمان أن القنابل في أرحب وأبين وشبوة أمريكية الصنع ولكن الحكومة هي من استخدمتها.

لم تكن سياسة هادي مختلفةً عن صالح –كما يقول الشرعبي- بل يمكن القول إن الولايات المتحدة وسعت نشاطها بشكل أكبر وعلني خلال الفترة 2012-2015م، بينما كان هادي يعتبر الطائرات بدون طيار أعجوبة فنية، وأكّـد أنه يوافق على كُـلّ ضربات الطائرات بدون طيار، بل استخدمت الولايات المتحدة المروحيات لتنفيذ عمليات في اليمن، وأعلن هادي أنها مروحيات يمنية، ثم استعرض الشرعبي قِصَصاً ومآسيَ إنسانية ناتجة عن هذه الجرائم إبان عهد الفارّ عبد ربه منصور هادي.

ولفت الشرعبي إلى أن غارات وجرائم العدوّ الأمريكي استمرت حتى ما بعد العدوان ونفذت الطائرات بدون طيار في عهد ترامب ما لا يقل عن 190 عملية، معظمُها غارات جوية، في اليمن منذ تولي الرئيس ترامب منصبه في عام 2017، مما أَدَّى إلى مقتل 86 مدنيًّا على الأقل، وفقًا لدراسة أجرتها مجموعة antiwar.

ويتطرق الشرعبي إلى العلاقة بين أمريكا والقاعدة، مؤكّـداً أن الأحداث تكشف أن تنظيم القاعدة لم يكن سوى إحدى الأدوات الاستخباراتية التابعة لواشنطن، وقد تكشفت العلاقةُ الأمريكية مع التنظيم بشكل واضح خلال العدوان على اليمن، حَيثُ قاتل أعضاء التنظيم إلى جانب تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ في أكثر من 11 جبهة، كما اعترف بذلك قائد التنظيم السابق قاسم الريمي، بل تكشف تقارير وتحقيقات صحفية بعضها عن مؤسّسات أمريكية أن التحالف الأمريكي السعوديّ عقد صفقاتٍ مع تنظيم القاعدة وتم دمجُ قيادات في التنظيم ضمن التشكيلات المسلحة التابعة لتحالف العدوان.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com